الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

المثلية في السينما المصرية من يسري نصرالله الى العدالة الشعرية

المصدر: النهار
شريف الرملي - باريس
A+ A-

يسري نصرالله، التلميذ الشاطر ليوسف شاهين، كانت له هو الآخر معالجته السينمائية للمثلية الجنسية، حيث ركز على خيط درامي مهم في فيلم "سرقات صيفية" (1988)، وفيه تظهر علاقة صداقة وطيدة وشيقة بين رجلين، أحدهما سليل عائلة إقطاعية والآخر من الفلاحين. أما في "شحاذون ونبلاء" (1991) لأسماء البكري، المأخوذ عن قصة لألبر قصيري ــ الكاتب المصري اليهودي الذي كان هاجر إلى باريس في أربعينات القرن الماضي ــ فيقدم شخصية المثلي من طريق دور رجل شرطة (عبد العزيز مخيون) برتبة ضابط على علاقة حبّ بأحد الشباب. الجدير بالذكر أن صورة المثلي هنا غاية في الايجابية. فهو رجل قانون، مثقف، قوي، وذو مهنة تُعتبر من أرفع المهن في مصر. بطلنا يحيا قصة حبّ ولا يخشى وجوده مع حبيبه في مكان عام.


عام 1991، كانت هناك معالجة أخرى للمثلية في فيلم "المزاج" لعلي عبد الخالق، في ثاني تعامل له مع تلك الشخصيات. تدور أحداث الفيلم داخل أسوار أحد السجون النسائية وتبدو صورة المثلية في هذا العالم القاسي والخالي من الخصوصية، كواحدة من أبشع الصور التي قُدمت الى الجمهور. فإحدى النزيلات (سناء يونس في ثاني دور مثليّ لها) تبدو في حالة نهم للحم الطازج الآتي لتوّه من خارج أسوار السجن، كي تلتهمه بلا أيّ عاطفة. يتجاهل المؤلف الرصد العقلاني لمسألة المثلية. الفيلم في مجمله عمل تجاري من الطراز الأول حيث لا مضمون حقيقياً ولا قصة جيدة ولا حتى سيناريو معقولاً. كل شيء متواضع في هذا الفيلم الذي ليس سوى فيلم تلصص على الجنس الناعم بهدف استقطاب المراهقين الى صالات السينما.
الشيء الإيجابي الوحيد في هذا العمل هو جانبه الوثائقي حيث يستعرض احدى الظواهر المعروفة في أنحاء العالم داخل السجون وهي الإغتصاب بين الناس من الجنس عينه. ففي مشهد من أكثر المشاهد قسوة نرى الشخصية المثلية وبمساعدة أخريات، تغتصب إحدى النزيلات الجديدات. فالشخصية المثلية تتم شيطنتها إلى الحد الأقصى مع التأكيد أنها لاإنسانية تستغل ضعف الأخريات وتنهش أجسادهن كالضباع.


عن الإغتصاب في السجون، وبخاصة بين الناس من الجنس نفسه، هناك القليل من الأفلام تطرقت إلى المسألة بطريقة غير مباشرة. منها على سبيل المثال "سوق المتعة" (2000) لسمير سيف الذي يتناول المثلية في السجون عبر شخصية (أحمد أبو المحاسن) أحد الخارجين من الزنزانة حديثاً ويروي كيف كان (الدكروري) فتوة السجن، يغتصب كل من يدخل إليه حديثاً كنوع من الإذلال. هذا بالطبع باستثناء أبو المحاسن الذي قاوم المغتصبين حتى تركوه وشأنه! هذا ليس سوى نوع من تملق للمشاهد العربي الرافض للمثلية الذي لن يكون من السهل عليه تقبل فكرة أن يكون البطل الكوميدي رجلاً تم إغتصابه. فمن المعروف أن البطل يمثل الغالبية العظمى من الجمهور الذي يرى نفسه من خلاله. في فيلم "تيتو" (2004) لطارق العريان، نجد التلميحات عينها الى الإغتصاب المثلي في السجون، هذه المرة بين الأطفال حيث البطل تيتو لا يزال طفلاً حين ينفرد به أحد المراهقين في محاولةِ غير صريحة لإغتصابه. يظهر المراهق في هذه اللقطة وهو يغلق الباب من خلفه منفرداً بتيتو قائلاً "الليلة ليلتك يا توتة"، مستخدماً صيغة المؤنث في حديثه معه.


ومن الحب ما قتل


"مرسيدس" (1992) ليسري نصرالله ينتصر للحبّ بين المثليين عبر قصة بين رجلين، أولهما جمال (مجدي كامل) وثانيهما أشرف (باسم السمرة) حبيبه، الذي يموت هو الآخر في نهاية الفيلم كما مات عيسى في "قطة على نار". بيد أن أشرف هنا مات مصدوماً بسيارة مرسيدس وليس منتحراً كما هي حال عيسى. تعامل نصرالله بحسّ الفنان مع شخصياته المثلية، فلم يزايد على هويتها الدينية أو عقليتها أو نفسيتها، بل عرضها في إطار طبيعي جداً وأظهر أن للحبّ قوانينه الخاصة التي يجب أن تؤخذ كما هي لا أن تكون كما تريد الغالبية.


الى هنا، استعرضنا تاريخ الشخصية المثلية في سينما النيل حتى بداية التسعينات، لا حصراً ولكن عرضاً لأهمّ الشخصيات. لكن، كان هناك أيضاً جوانب اخرى في الشخصيات المثلية وفي ممارستها لرغباتها. فهي أحياناً تبحث عن الجنس ولكن في أحايين أخرى تضطر الى الإغتصاب مثلاً. هنا يمكننا الحديث عن مثلية مسببة ومبررة درامياً على خلاف المثلية الكلاسيكية كما هي الحال في عدد لا بأس به من الأفلام.


"ديسكو ديسكو" (1994) لإيناس الدغيدي جاء بعد عامين من صدور فيلم نصرالله، وفيه تستعرض المخرجة مجتمعا مفككا ليس من السهل ان يكون فيه للمشاعر وجود. في هذا العمل، محور الصراع بين العلم والأخلاق والثقافة والسلطة وبين المخدرات والجهل والرأسمالية والفساد والتطرف المقنّع بالدين. الفيلم يناقش أيضاً العجز والكبت الجنسي والتحرش والمثلية والزواج القهري ووصولية المثقفين العديمي المبادئ. المثلي الأول في هذا العمل هو جاكوب، شاب "متفرنج" يخلط دائماً كلامه بكثير من الكلمات الإنكليزية ويرتدي ملابس ضيقة تظهر الكثير من النصف العلوي من جسده. مثلية جاكوب ليست من النوع الصريح فهي فقط يتم التلميح إليها بطرق غير مباشرة كالرقص مع عشيقه متولي (عبدالله محمود) ذي البشرة السمراء، وفي مشهد آخر تجري الاشارة الى مثليته عبر خوف خطيبة متولي من أن يخطفه منها جاكوب.


المثلية في هذا الفيلم ثانوية تماماً، والمقصود منها إظهار جاكوب وأصدقائه من المتأخرين دراسياً والمدمنين المرفهين والمشتتين عائلياً على انهم ثمرة مجتمع مادي مهووس بجمع المال بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية وبأنهم منبوذون مجتمعياً. تأكيداً لنظرية الإنحراف هذه، تستخدم الدغيدي اسلوب العقاب على أفراد تلك المجموعة: فأحدهم يخسر حبيبته والآخر يكتشف عجزه الجنسي نتيجة إدمانه للهيرويين، ومتولي صديق جاكوب المثلي يخسر أباه الذي يموت قبل أن يكتشف أنه هو نفسه مصاب بمرض الإيدز. حقاً، كانت العلاقة بين الهيرويين والمثلية والإيدز محور إهتمامات العامة في التسعينات. فـأربعون في المئة من المصابين بالإيدز كانوا من المثليين، لكن هذا لا يعني أن يعاقب المؤلف واحداً من أصل إثنين في فيلمه بمثل هذا العقاب. مرة أخرى، الصورة مسيئة الى الأقلية المثلية التي تنعتها الدغيدي بالإنحراف وتحكم عليها بالإيدز. المثير أن بعضهم يأخذ على الدغيدي تقديمها لمثل هذه الشخصيات ظناً منه أنها تروج لها، من دون أن يفكر لحظة في أن معالجتها للظاهرة تنفر الناس من المثليين أكثر من الدعوة الى التعاطف معهم.


هذه النظرة للمثليين ولمصابي الإيدز تتوافق تماماً مع منظومة الدولة التي كانت تحاول حينها الحدّ من إنتشار هذا المرض، ناهيك بالتشدد الديني الذي كان قد اجتاح مصر منذ السبعينات فراح ضحيته أنور السادات، بالإضافة الى حرق المتطرفين لـ 22 نادياً للفيديو في القاهرة ومسرح الهوسابير. لذا، فربما كان من الطبيعيّ أن تتعقد فكرة تقديم المثلية على الشاشة، لكن هذا لا يعني أن نتعمد إخفاء رؤوسنا في الرمال كالنعام تفادياً لضرورة أن نرى الظاهرة ونحللها تحت شعار تقبل الإختلاف.


الدولة تحارب المثلية


2001 كانت سنة النكسة للمثليين المصريين. ففي 11 أيار من ذلك العام، اعتقلت أجهزة الأمن المصرية 52 رجلاً كانوا على متن قارب سياحي شهير بكونه مكان تجمع للمثليين. على الفور، قامت أجهزة الإعلام الرسمي ــ بدورها المعروف في الترويج لنظام مبارك حينها ــ في إشهار هذا الحدث على الملأ وشيطنة المثليين ممن تم توقيفهم بل ونُشرت الأسماء الكاملة لبعضهم وأماكن عملهم، وتبعتها في ذلك الصحافة الرسمية والصفراء. بعد خمسة أشهر من المحاكمة، حكم على 22 من المتهمين بالسجن ثلاث سنوات لكلٍّ منهم بتهمة "ممارسة الفجور"، وعلى أحد المتهمين أيضاً بتهمة "إزدراء الأديان". فكان للفضيحة صداها العالمي. بعدها بأيام قليلة تم القبض على رجب السويركي، صاحب سلسلة "محلات التوحيد والنور" واتهمته النيابة بالجمع بين خمس زوجات في آن واحد. بعد ذلك بقليل، تم تسريب أحد الفيديوات للراهب المعزول من دير أسيوط برسوم المحرقي يظهر فيه وهو يضاجع النساء ممن لم يصبهن الحظّ بالإنجاب بعد.
كل هذه الفضائح الجنسية كانت مسار إهتمامات الرأي العام في مصر. وفي الأثناء ذاتها كان نظام مبارك يمرر بعض القوانين التي كان من أهم أهدافها زيادة الضرائب على المصريين. كل هذا كان يتم بهدف إظهار نظام مبارك على أنه يحمي العقيدة والقيم الإسلامية كي يرتفع نصيب الحزب الوطني الذي كان يرأسه شعبياً أمام جماعة "الإخوان المسلمين" التي كانت محظورة حينها . في هذا الجوّ الملغم بالفضائح الجنسية والسياسية والدينية، يأتي إلى الوجود أحد الأفلام التي لا يتوانى مؤلفه وحيد حامد عن الإنتصار للمثليين.


فنانون ضد التيار


"ديل السمكة" (2003) لسمير سيف (تأليف وحيد حامد) واحد من أهم الأفلام التي توثق لنقطة فارقة في صورة المثليين في السينما. فهو الفيلم الوحيد حتى مطلع الألفية الثالثة التي نسمع فيه المثلي وهو يتحدث عن مثليته بكل حرية ومن دون أن تتدخل الرقابة فتحذف هذا المشهد. ينتصر المؤلف والمخرج للمثليين، حيث نرى رؤوف يقول لكشاف النور الذي زار بيته: "دي رغبتك، وانت حرّ فيها ولازم أحترمها، الحكاية مافيش فيها إجبار، والإ تبقى عملية إغتصاب. لازم الرغبة تكون موجودة، قوية ومتبادلة بين الطرفين. لازم يبقى في حبّ. إحنا بني آدمين مش وحوش في غابة. لازم الحسّ الإنساني يبقى موجود ومن دونه تبقى "الحكاية" بايخة وسخيفة". لا شكّ أن هذا يُعدّ تطوراً ملحوظاً في بناء الشخصية. فالرجل المثليّ نراه مسنّاً وهذه سابقة. ثم نراه بورجوازياً، مثقفاً وثرياً، وعلاوة على هذا كله يتمتع بقدر كبير من الإنسانية. نظرة سمير سيف تتفق مع نظرة صلاح أبو سيف ويوسف شاهين ويسري نصرالله للمثليين وتختلف تمام الإختلاف عن نظرة الصحافة والتلفزيون الرسمي وغير الرسمي وعن تعامل علي عبد الخالق وإيناس الدغيدي مع الشخصية المثلية.


في "عمارة يعقوبيان" (2006) يظهر ثنائي آخر من المثليين. هذا الشبل من ذاك الأسد كما يُقال، وهذا ما ينطبق على الشاب مروان حامد نجل السيناريست الكبير وحيد حامد في تحويلهما لرائعة علاء الأسواني الى فيلم سينمائي. يناقش الفيلم التطورات أو التدهورات التي حدثت للمجتمع المصري منذ إنقلاب الضباط الأحرار في 1952 على النظام الملكي، من خلال عمارة سكنية في وسط القاهرة وسكانها. حاتم هو الشخصية المثلية في هذا العمل، بالإضافة الى عشيقه عبد ربه الذي يضاجع حاتم على رغم أن له زوجة وطفلة في صعيد مصر، ما يعني إزدواج هويته.


موقع شخصية حاتم رشيد من تاريخ المثلية في السينما المصرية، في غاية التعقيد. فهي تجمع في الوقت ذاته بين نظرة تقدمية وأخرى رجعية: فحاتم إنسان سوي مجتمعياً وذو مكانة مرموقة. يرأس تحرير جريدة، أنيق، مهذب، لا يقضي وقته في البحث عن طريدة جنسية، بل له علاقة عاطفية تربطه برمز الفحولة المصري، عبد ربه، جندي الأمن المركزي، هذا الأميّ القادم من الصعيد والحامل في جسده الحرارة ولون الشمس. من ناحية أخرى، تزداد الشخصية تعقيداً حين نرى أن حاتم تعرض للاغتصاب صغيراً فإذا به يكبر على حبّ المثلية. وحيداً لا أب له ولا أمّ بل هو ناقم عليهما إذ تركاه، عن لاوعي، فريسةً للخادم الذي كان يحتضنه برفق قبل أن يضاجعه. هو أيضاً صحافي في جريدة ناطقة بالفرنسية في إشارة من المؤلفين الى التغريب، وكأنه ليس مصرياً كباقي المصريين. يشرب الخمور، يشتري الحبّ حيث يغري عبد ربه بالمال قبل أن يستأثر به. ضعيف الإيمان لا تكاد تعرف له ديانة على غير المعتاد في سينما مصر مع الشخصيات الأخرى.


علاقة حاتم رشيد بعبد ربه تصبح شيئاً فشيئاً مسار شكوك زوجة هذا الأخير إلى أن يغتصبها على الرغم من صراخ صغيرهما، في محاولة منه لإقناعها بأن ميوله الجنسية لم تتغير. وهذا ما يؤكد الإزدواجية التي يعيشها هذا الشاب. في مشهد آخر ينم في الوقت ذاته عن لاإنسانية بعض أفراد الشرطة المصرية وعن ميول هذا البعض المثلية، يهدد أحد المحققين واحداً ممن تمّ القبض عليهم في إحدى التظاهرات بالإغتصاب قائلاً له: "إحنا بقى هانعمل فيك اللي بيتعمل في حاتم رشيد". لاحقاً نرى طه، أحد التكفيريين، يفضي الى شيخه بعملية "هتك عرضه" على يد رجال الشرطة. هنا يتجلى فهم خاطئ لمسألة المثلية وتصديرها الى الجمهور باعتبارها عملية يكون فيها المثلي في مكانة المرأة حيث يضاجعه رجل آخر. ببد ان ما لم يوضحه الفيلم ونؤكده هنا، أن المثليين منهم السالب ومنهم الموجب. بمعنى أن كلا الرجلين ينطبق عليه لفظ المثلي وليس المتلقي فقط.


لن تدوم سعادة حاتم رشيد وعبد ربه كثيراً. فلقد خبأ لهما المؤلف مصيراً بائساً حيث يموت طفل عبد ربه ويقرر بعدها هذا الأخير الإنفصال التام عن عشيقه بل وقصد مكان مجهول. تركز الكاميرا في هذه اللقطة على تصوير حاتم رشيد في عمق الكادر بصورة مشوشة وفي مقدمة الكادر يجلس عبد ربه حاضناً زوجته. ما يظهر حاتم أنه سبب موت طفلهما وكأن السماء قد قست قلبها فقررت عقاب الطفل البريء على مثلية حاتم وعبد ربه، آخذة منه الحق في الحياة!
بعد رحيل عبد ربه، نرى معاناة حاتم رشيد حيث ينهار بالبكاء ويلجأ الى زجاجة الويسكي، قبل أن يعقد جلسة محاكمة لصورتين، الاولى لأبيه والثانيه لأمه يلومهما فيها على مصيره البائس وكيف كان إنشغالهما عنه هو سبب مثليته الجنسية. مع نهاية الفيلم تأتي نهاية معاناة حاتم العاطفية حيث نراه في منزله مع شاب آخر قبل أن ينقضّ هذا الأخير عليه فيقتله ليرقد حاتم رشيد بسلام ويرتاح ضمير الجمهور والدولة الرافضين للمثلية. الخلاصة هنا هي أنه على رغم أن المؤلف أضاف الكثير من الجوانب الطبيعية الى الشخصية المثلية في محاولة منه لتطبيعها، لم يستطع انتشالها من إرث طويل من نمطية فرضها المجتمع على المثليين وصدّقها الفنّ السينمائي. وأذكر اني حين كنتُ أشاهد الفيلم في دار سينما مصرية، صفق أحد المهووسين تصفيقاً حاراً مصحوباً بصيحة نشوة احتفاء بموت حاتم رشيد!


حلّ لأزمة السينما


في السنوات الأخيره، شهدت صناعة السينما في مصر كساداً شديداً وخصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية، وازدادت حالة الصالات سوءاً على سوء وتقلص عددها من 400 قاعة للعرض عام 1958 الى 140 قاعة عام 1995، بعد أن كانت السينما هي ثاني مصدر للدخل القومي المصري في فترة ما قبل الخمسينات. وارتفعت أسعار تكاليف الإنتاج ومعدات التصوير، فظهرت الصورة السينمائية في كثير من الأفلام متواضعة. هذا بينما كانت أجور الممثلين تزداد إرتفاعاً فيلماً تلو الآخر، حدّ ان بعض أنجح الأفلام لم تغطّ عائداتها مصاريف إنتاجها وأصبح المهتمون بالشأن السينمائي المصري يتحدثون عن إنهيار صناعة السينما متوقعين ألا يزيد إنتاج العام المنصرم (2013) على خمسة عشر فيلماً، بعدما كانت مصر تنتج بمعدل 40 فيلماً في السنوات العشرين الأخيرة.


هذا الجوّ الإقتصادي القاتم والتسلط الرقابي وتضاؤل مساحة حرية التعبير عموماً وعدم إهتمام الدولة بالمنتج الثقافي وإضمحلال المستوى المعرفي العام لدى صنّاع السينما من منتجين وممثلين وكتاب ومخرجين كان له أثره أيضاً في الشخصية المثلية. وهذا ما نلمسه، على الأقل، في آخر الأعمال التي تعرضت لهذا السؤال، "حين ميسرة" (2007) لخالد يوسف و"بدون رقابة" (2009) لهاني جرجس فوزي. الفيلمان يحتويان على شخصية مثلية من العنصر النسائي، لكن هذا لا يعني أن هناك تعبيراً حقاً عن فئة المثليين في مجتمعاتنا. هذا ما نكتشفه حين ندرس الدور الصغير الذي تضطلع به غادة عبد الرازق في "حين ميسرة" في شخصيتها السحاقية. نراها تستدرج ناهد (سمية الخشاب) الى منزلها قبل أن تحاول أن تنام معها...


لا يمكننا الحديث هنا عن المثلية او حتى عن شخصية مثلية، فاللقطة المثيرة لا تستحق ان نتكلم عنها كثيراً، فما هي إلا أحد عناصر جذب المراهقين والمكبوتين الى دور العرض وخصوصاً أننا نتكلم عن إثنتين من رموز الإثارة والإنوثة لدى الجمهور العربي (غادة عبد الرازق وسمية الخشاب). نلاحظ أن المثلية أصبحت عنصراً فعالاً من عناصر البلبلة، حيث يتم تسريب الخبر الى الصحف، فيغضب المحافظون ثم يتم تقديم السيناريو الى الرقابة التي تعترض نظراً للجوّ الملبد بالكبت الجنسي والطائفية. تعود الصحافة من جديد الى إثارة البلبلة، فتقوم قيامة الجمهور أكثر فأكثر ويتأهب منتظراً بفارغ الصبر خروج الفيلم في الصالات. إذاً، المسألة هنا محض استراتيجيا تجارية بهدف الترويج للفيلم.


عدالة شاعرية


نلاحظ أن المثلية تمت الإشارة إليها مباشرة أحياناً كثيرة وفي أحيان اخرى تمّ التعامل معها بطريقة التابو. نلاحظ أيضاً ثقافة العقاب التي يفرضها المؤلفون على مثلييهم، أو ما يعرف درامياً بـ"العدالة الشاعرية"، حيث يتم القصاص من الأشرار، فيموتون في نهاية الأفلام أو يموت أطفالهم، أو يعيشون معاناة الفراق، يُقتلون أو ينتحرون أو يصابون بأمراض كالايدز، وكأن بذلك تنتهي المثلية. الى ذلك، فإن أسماء المثليين كانت أسماء عامة بحيث لا يكون الإسم لقبطي أو لمسلم لتفادي الإصطدام بأيٍّ من الطائفتين. ولقد كان أغلبهم من أسرٍ مفككة على اعتبار أن المسؤول عن المثلية هو الجوّ الأسري! الغريب ايضاً ان المؤلفين والمخرجين قد ربطوا بين المثلية وموهبة الرسم والتفكك الأسري في أكثر من عمل (رؤوف في "حمام الملاطيلي"، عصمت في "جنون الشباب"، توت في "مسجل خطر"، جمال في "ديسكو ديسكو"، وحاتم رشيد في "عمارة يعقوبيان")، وكأنه مجرد استنساخ للشخصية الاولى رؤوف.


 


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم