الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

مصطفى حجازي الذي أمسك ثور العصبيّة الأسود الهائج بقرنيه

فردريك معتوق
Bookmark
مصطفى حجازي الذي أمسك ثور العصبيّة الأسود الهائج بقرنيه
مصطفى حجازي الذي أمسك ثور العصبيّة الأسود الهائج بقرنيه
A+ A-
مضى زمن طويل لم اقرأ خلاله بالعربية كتابا شدّني على مدى ثلاثة أيام متواصلة على نحو ما شدّني كتاب مصطفى حجازي الأخير "العصبيّات وآفاتها: هدر الأوطان واستلاب الانسان". لماذا يا ترى؟لأسباب عديدة أولها ان هذا الكتاب بانورامي. يروي لك قصة ضياع بوصلة التحليل لدى الباحثين و المثقفين العرب عموما على مدى قرن و نصف من الزمن، يمتد من بداية النهضة العربية حتى اليوم. فالكل يكتب، والكل يؤلّف و يقدّم التحاليل وحتى التفاسير، لكن من دون ان نتقدّم، و لا ان نفهم لماذا على رغم هذا الجهد الهائل و الإمكانات المتوفرة لازلنا ندور في فلك المبهم.بعض الباحثين يعطينا إجابة مجتزأة، و الآخر يعطينا تحليلا مبتورا، و الآخر يهرب الى فضاءات الغيب. بحيث ان بعض هذا البعض يفيدنا نسبيا (بأرقام و معطيات دالة )، فيما البعض الآخر يقطع بنا الحبل في منتصف البئر، فيأتي في النهاية البعض الأخير رافعا رايات أزمنة المجد في الماضي البعيد. والواقع ان الكل لا ينطلق من حيث ينبغي ان ينطلق، أي من إشكاليّة تجريبية ميدانية موضوعية (لا متخيّلة) تسمح لنا باعتماد المنظور الحقيقي القائم في الحياة اليومية و العملية لدى عموم الناس في المجال العربي الأوسع. لذلك يقتضي اليوم تذكير معشر مثقفينا بالعبارة الجوهرية التي يختم بها الكاتب الفرنسي لا فونتين إحدى أهم قصصه، حيث يقول:Rien ne sert de courir, il faut partir a pointفالمسألة برمتها تعود الى ان المثقفين العرب قد تخلّوا عن أنموذجهم الارشادي العربي القديم، معتبرين ان مجرّد الدخول في العصور الحديثة الغربية إبّان عصر النهضة و بعده، يكفي لإسقاط الهوّة المعرفية القائمة بين الواقع العربي العام، التقليدي والمحكوم عميقا في وعيه ولا وعيه بنمط تفكير وعيش نقلي، و الواقع الأوروبي والأميركي الحديث، المبني على ثورة ثقافية و أخرى دينية و أخرى سياسية وصولا الى الثورة الصناعية، والمحكوم بنمط تفكير و عيش عقلاني. فجاء لذلك دخولنا في "الحداثة" زمنيا، لا تاريخيا... بما يشبه سفرا على بساط الريح.أما مصطفى حجازي فيعيد الأمور الى نصابها الموضوعي، معتبرا ان البداية الحقيقية في فهم ما جرى ويجري إنما ينبغي ان تكون، بكل تواضع، من إبن خلدون. من االإرث الفكري الذي تقدّمه لنا مقدمته الشهيرة ولكن غير المثمّنة نوعيا من قبلنا نحن المتعالين على م...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم