الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - ميشال اده "كنيسة متجولة"... الثالثة ثابتة؟

المصدر: أرشيف "النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - ميشال اده "كنيسة متجولة"... الثالثة ثابتة؟
أرشيف "النهار" - ميشال اده "كنيسة متجولة"... الثالثة ثابتة؟
A+ A-
ميشال اده هو ابن النظام القديم وابن النظام الجديد في وقت واحد. ادرك من النظام القديم اضطرابه بدءا من 1949 مع حرب فلسطين بعد سنة على تخرجه من جامعة القديس يوسف، اذ لم يتح له التقاط اللحظات الاولى من الاستقلال عام 1943، مع انه عرف باكرا بشارة الخوري. وادرك من النظام الجديد كل بداياته وان لم يشارك في تسويته. بذلك، فان ما يجمعه من هذين النظامين فلسفة سياسية تقوم على مدماكين اثنين: موقع لبنان في الصراع العربي - الاسرائيلي، وموقع الموارنة في النظام اللبناني دورا حضاريا لا طائفة فحسب. يذكر بيار حلو عن 1939، عام اندلاع الحرب العالمية الثانية، وكان وميشال اده في مدرسة الآباء اليسوعيين في الاشرفية، في سنهما الحادية عشرة، انهما شعرا بان هذه الحرب تعنيهما: "نتتبع اخبارها من راديو قديم في صندوق خشبي كبير ينبعث منه برازيت، مهتمين بما نقرأ ونسمع الاعلان عن الحرب. ثم لم نلبث ان تأثرنا بعد سنة (1940) بخسارة فرنسا فيها". ميزته عن مجايليه والذين يكبرونه، القريبين منه، انه عبر بين نظامي لبنان القديم والجديد: شارل حلو اكبر منه سنّا لم ينخرط في النظام الجديد. ولا زميله على مقاعد السنة الاولى في جامعة القديس يوسف (1945) الياس سركيس. ولا زميله الثاني على تلك المقاعد رينه معوض الذي لم يتسنَّ له ان يحكم ويعلن "الجمهورية الثالثة". ولانه عبر بين نظامين وجمهوريتين اكتشف ان ما لم يتغير في هذا الانتقال هو الصراع العربي - الاسرائيلي والدور اللبناني للموارنة. ومن اجل ذلك في وسعه ان يحكم على الفروق بين النظامين القديم والجديد: لم تتغير الا قوانين حكم لبنان وطريقة حكمه وبمَن يُحكم. I - تحت المنخار عام 1992 التقى ميشال اده برفقة صديق لبناني، في احدى ضواحي باريس، جون غونتر دين، السفير الاميركي السابق في بيروت، يتمشَّى وصديق له. فبادره السفير قائلا: "هل تتذكّر، كان يمكن ان تكون رئيسا للبنان عام 1982 لولا الاجتياح الاسرائيلي". عندها قال ميشال اده لصديقه: "شفت...". قبل ثماني سنوات (1984) سمع ميشال اده كلاما مماثلا من الياس سركيس الذي كان غادر الرئاسة قبل سنتين. على سرير المرض في مستشفى جون هوبكنز في بالتيمور في الولايات المتحدة الاميركية. قال له الياس سركيس: "ميشال، الست نادما؟". اجابه: "على ماذا؟". قال الرئيس المريض: "مرقت الرئاسة من تحت منخارك، وكانت مضمونة لولا الاجتياح الاسرائيلي. الست نادما؟". رد: "على ماذا اندم؟ كانوا قتلوني. شو باك يا فخامة الرئيس؟ انا فيني احكم مع الاسرائيليين؟". قال له الياس سركيس: "كنتَ ستُنتَخَب لولا الاجتياح الاسرائيلي. وكان املي الا يحصل ذلك الاجتياح وتأتي انت رئيسا. اشتغلتها لك مع كل الناس". دار هذا الحوار المقتضب مساء، في حزيران 1984. السنة التالية، في 27 حزيران 1985، توفي الياس سركيس بعد شهور طويلة من المعالجة غير المجدية في مستشفيات المانيا وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة وبريطانيا اصطحبه اليها ميشال اده. شعر الياس سركيس بوطأة المرض باكرا، مطلع الثمانينات. فظن بداية ان قصورا في وظائف الكلى اصابه. لذا لم يتردد في ايلول 1981، في نصح ميشال اده، بصرف النظر عن استقالة ابدى رغبته فيها من حكومة شفيق الوزان، بعد سنة على انضمامه اليها بدافع اهماله اعماله الخاصة في الخارج. قال له الرئيس ان مراجع دولية ومحلية بدأت تطالبه بتمديد ولايته التي تنتهي السنة التالية سنتين اخريين على الاقل، في ظل اوضاع لبنانية داخلية معقدة ستصطدم بالاستحقاق الرئاسي، فضلا عن استحالة توصل الافرقاء الى تفاهم على الرئيس الجديد ومواصفاته في خضم النزاعات المحلية، والشروط التي يواجهون بها الانتخابات. انتهى الياس سركيس في حديثه الى ميشال اده الى القول ان فرصة كبيرة تنتظره لايصاله الى رئاسة الجمهورية، وخصوصا ان بشير الجميل، الرجل القوي في المناطق الشرقية، يحبذ التمديد له بعض الوقت، ريثما تنضج الظروف الاقليمية التي تتيح له بلوغ الرئاسة. قال له ايضا ان بشير الجميل، في مقتبل عمره (33 عاما) طامح لرئاسة الجمهورية. ثم اضاف الرئيس: "يا ميشال، سبق ان قلت لك لا تختلف مع بشير". اجابه ميشال اده: "لست انا مَن يختلف معه يا فخامة الرئيس. هو الذي يعتدي عليّ. فماذا افعل؟". عقّب الرئيس: "يطلبون مني التمديد، وانا بصراحة كاملة اقول لهم لا اريد لانني مريض ومتعَب. ولانني لا اريد، ارى ان حظك كبير كرينه معوض (وسمّى اسما ثالثا). انتم من اصحاب الحظوظ الاولى. فلا تفتعل ازمات ومشكلات مع احد، وخفّف من تصريحاتك". رد ميشال اده: "إلا ضد اسرائيل. ضد اسرائيل لا". وكرر الرئيس على ميشال اده ان يهدأ بعض الوقت. وقال له بعد ذلك: "اشتغلُ الرئاسة لك مع الجميع، ومع بشير". قال ميشال اده: "لكن اعتقادي ان اسرائيل لن تجعلنا نصل الى الرئاسة على خير. وانا اخشى ان تكون تحضّر لعمل ما". قال له الرئيس: "ان شاء الله لا. روق. انت مؤمن. اشتغلها لك". فهم ميشال اده من الياس سركيس ان اتصالاته تشمل، الى بشير الجميل، جهات اميركية وسورية و"الحركة الوطنية" بزعامة وليد جنبلاط التي تربط إده بها وبقيادتها علاقات وثيقة معظمها يتصل بموقفه الحاد من الصراع العربي - الاسرائيلي. سمع ميشال اده كلاما مشابها من شخص قريب منه ومن الرئيس، قد اسرّ اليه به الياس سركيس بقوله: "على ميشال ان يبقى في الحكومة لان حظه كبير في الرئاسة. وهو فضّ مشكلة". على انه لمس اهتمام الرئيس باقناع قائد "القوات اللبنانية" بترشيحه نظرا الى اهمية دوره في الانتخابات الرئاسية المستمد من سيطرته على المناطق الشرقية من جهة اولى، وسعيا الى تصفية العلاقة غير الودية التي كانت بين الرجلين.  في نيسان 1981 نشب خلاف بين ميشال اده وبشير الجميل، مرده الى موقف ادلى به ميشال اده، وزيرا للاعلام في حكومة شفيق الوزان، عن مغزى اسقاط طائرات اسرائيلية طوافتين سوريتين فوق مرتفعات صنين في 28 نيسان، وقصفها التلال المحيطة ب "الغرفة الفرنسية" التي استولى عليها الجيش السوري في 25 نيسان بعد انزال جوي عليها. مساء ذلك اليوم، كان ثمة عشاء في قصر بعبدا يضم الياس سركيس ونائب الرئيس عبد الحليم خدام (كان قد وصل الى بيروت في اليوم نفسه) ورينه معوض واحمد الحاج وسامي الخطيب (قائد "قوة الردع" السورية)، انضم اليه ميشال اده، بعد محادثات تناولت سبل معالجة المواجهة العسكرية في زحلة بين الجيش السوري وقوات بشير الجميل منذ 2 نيسان. في الساعات القليلة التي سبقت العملية العسكرية الاسرائيلية، دارت اتصالات غير معلنة بين بشير الجميل وسوريا عبر العقيد السوري محمد الخولي بغية ارساء تفاهم بين الطرفين ينهي الاعمال العسكرية. قال ميشال اده لالياس سركيس وعبد الحليم خدام انه يرى في اسقاط الطوافتين السوريتين محاولة اسرائيلية لتعطيل اتفاق بشير الجميل مع السوريين، لا مجرد اسقاط طوافتين. وافقه الرئيس وعبد الحليم خدام رأيه. ورغب اليهما في ترك العشاء لتحذير بشير من الانقياد الى هذا الاستدراج. ثم غادر لتوّه الى الكرنتينا ليطلب مقابلته، ويلتقيه في مكتبه في الطبقة الثانية من مبنى "المجلس الحربي" في الكرنتينا. وبعدما عرض له ميشال اده وجهة نظره، نبهه الى خطر تورّطه مع اسرائيل. فلم يُبدِ قائد "القوات اللبنانية" حماسة حيال ما سمع، واكتفى بلفظتي "OK... OK" بغية طمأنته الى رد فعله، مجاملا ميشال اده الذي اكد له من ثم انه، كوزير للاعلام، سيصارح الرأي العام بحقيقة المحاولة الاسرائيلية الخطيرة. وكرر على مسمعه ان اسرائيل ترمي الى تعطيل تفاهمه المحتمل مع دمشق. تمنى عليه بشير الجميل عدم اتخاذ موقف كهذا اذا لم يجد ضرورة له. فأجاب: " بلى ضروري. وكوزير للاعلام يجب ان اقول ذلك. وهو واجبي". اذ ذاك ترك له حرية التصرف، مع رغبته في تفادي الادلاء بهذا التصريح. عاد ميشال اده الى قصر بعبدا ليُعلم الياس سركيس وضيفه عبد الحليم خدام، نزيل القصر الجمهوري تلك الليلة، بحواره مع بشير الجميل، من دون ان يخفي عليهما شعورا مكتوما ينبئه ب "ضغوط قد تكون اسرائيل تمارسها عليه [بشير]"، آملا في تجاوبه معه. رد عبد الحليم خدام: "الله يسمع منك". في اليوم التالي وزّع ميشال اده تصريحه على "الوكالة الوطنية للاعلام" ومنها على الجرائد، هاجم فيه اسرائيل. ثم لم يلبث بعد ثلاثة ايام ان تلقى من بشير الجميل مكالمة قاسية تنطوي على تهديد مباشر: "اسمعني جيدا. هذا النوع من التصريحات ال... لن اسمح به بعد اليوم. انا انبهك الى ذلك وتصرَّف على هذا الاساس، والا سيكون لكل حادث حديث". اجابه: "شو قصتك بشير؟ سبق ان تحدثنا في الموضوع واعلمتك بما اعتزم القيام به، وعملت وساعمل به ايضا ومرة اخرى، اليوم وبكرا، لانه من واجبي كوزير للاعلام، ولن اقبل بان تخرب اسرائيل بيتنا". قال له بشير بغضب: "اذا هيك، فهذه هي المرة الاخيرة التي اقبل بها بذلك". واقفل السماعة. امتدت القطيعة بينهما خمسة اشهر. في اثنائها سعى الياس سركيس وجوني عبده (مدير المخابرات في الجيش) الى اجراء مصالحة بينهما لم تلقَ آذانا صاغية. قال له الرئيس بعدما علم بمضمون مكالمتهما عبر تنصت الاجهزة الامنية على الخطوط الهاتفية لقائد "القوات اللبنانية": "يجب الا تكبر بينكما الى هذا الحد. سوِّها". طلب جمعهما الى غداء فظل ميشال اده غاضبا من تصرّف بشير حياله: "انا وزير... كيف يخاطبني بهذه اللهجة ويهينني. هل لانني ضد اسرائيل؟ انا اقوم بواجبي". وكل مرة يسأله الياس سركيس هل اتصل به بشير، كان يجيبه: "ليس بعد". عندها يقول له: "طيب، سيتصل... سيتصل". في آب تلقى مكالمة من "منذر" (نعوم فرح رئيس مكتب العلاقات الخارجية في "القوات اللبنانية")، يدعوه بالحاح باسم "الباش" [بشير الجميل] الى المشاركة في عشاء تكريمي في الاشرفية لوفد فرنسي يمثل اليسار الراديكالي يزور لبنان. لم يستجب واشترط ان يتلقى اعتذارا من بشير الجميل عن تعرّضه له بالاهانة، متذرعا في الوقت نفسه بموعد سابق. مساء اليوم نفسه اخبر ميشال اده الياس سركيس بالدعوة، فحضّه الرئيس مجددا على تسوية الخلاف، قائلا له ان عليه توقّع مخابرة من بشير الجميل. نهار العشاء التكريمي للوفد الفرنسي، بعد خمسة ايام على مكالمة "منذر"، اتصل به بشير الجميل، مكررا عليه الدعوة. فاشترط ميشال اده استباقها بالاجتماع به ل"وضع حد لمثل هذا النوع من التخاطب، وتصويب العلاقات في ما بيننا لمرة اخيرة". وافق، فالتقيا قبل نحو اربع ساعات من العشاء في بيت بشير الجميل في الاشرفية، ليقول له الوزير الغاضب بعد عتاب قصير ان عليه التحوّط من "مغامرة المراهنة على اسرائيل، لانها كارثة علينا". ثم يضيف ايضا: "من الخطأ هذه المراهنة". اجابه: "لا اراهن على اسرائيل، لكنني استفيد من مدّها لي بالسلاح لمواجهة الفلسطينيين الذين يحتلون لبنان". قال ميشال اده: "انت تتورّط كثيرا مع اسرائيل، وهي اكبر كارثة علينا. ولا خيار لنا جميعا سوى التعاون مع سوريا. انا اخاف نتائج هذه المسألة الخطيرة. اخاف ان تدفع ثمنها غاليا". فأسهب بشير في شرح المناخات التي تتحكّم في الرأي العام في المناطق الشرقية، ثم قال: "انا معك، ولست ضدك. لكن هناك فلسطينيون يحتلون ارضنا. طمِّن بالك انا استفيد من اسرائيل فحسب". كلاهما في موقع مغاير للاخر، بل على طرف نقيض منه. وردّ فعل بشير هو نفسه عندما اختلفا قبل خمسة اشهر: مجاملة ميشال اده من دون ان يكون قد اتفق معه تماما على الموقف من اسرائيل في تلك المرحلة. وسّلم ميشال اده بدوره باستمرار هذا الخلاف بينهما. لكنهما تصالحا.  على ابواب انتخابات رئاسة الجمهورية، قال الياس سركيس لميشال اده ان بشير الجميل يقدّره، ولا يمانع في وصوله الى رئاسة الجمهورية اذا قضت بذلك الظروف المحلية والاقليمية، في مرحلة انتقالية تهيىء لبشير المنصب. سبقت ذلك في آذار 1982 مفاتحة بشير الرئيس مرة جديدة في تمديد ولايته سنتين، فكرر رفضه بدافع مرضه. بيد ان ميشال اده ظل منذ آذار، في مقال كتبه ذلك الشهر، متخوّفا من خطوة اسرائيلية خطيرة للغاية "قد تكون في حجم حرب عام 1948"، تدفع بالاستحقاق الرئاسي الى امر واقع مغاير للتوقعات. في أيار دعاه بشير الى غداء ليسأله عن رأيه في تطورات المنطقة، فاجابه: "اخشى ان يحصل ما رجحته قبل اشهر. عملية عسكرية اخطر من حرب 1948". رد عليه: "لا اظن ذلك. وفي اي حال، اذا لم يحصل شيء، فانا معك في موضوع الانتخابات الرئاسية". وذكّره بان الرئيس حدّثه في الامر. اضاف له بشير: "اما اذا حدث تطور ما، فسيكون ثمة امر اخر". واستعمل لفظة "Sorry". لم يتفقا على التعاون لخوض الانتخابات الرئاسية. ولم يفصح بشير امام الوزير عن امكان حصول اجتياح اسرائيلي كبير للبنان، ولا حتى عن ترشحه. بل اكتفى بابلاغ ميشال اده انه لا يعارض اختياره رئيسا اذا سمحت، ساعتذاك، الظروف المحلية والاقليمية، ملتزما وجهة نظر الياس سركيس في تأييده. الا انه اوحى احتمال حصول تغييرات كبيرة في البلاد تبرر له عدم اعطاء وعد قاطع لميشال اده، ولا الاتفاق معه على رئيس العام 1982. اما جواب ميشال اده، فكان: "لا اظن ان هناك تغييرات كبيرة، بل ثوابت كبيرة منها سوريا التي ستظل مؤثرة في المنطقة وقوية. واخشى خطر المراهنة على اسرائيل". قال له بشير: "انا ايضا منفتح على الجميع، واظن ان الظرف الحالي ليس مؤاتيا الآن لي. واوافق على انتخابك". في مطلع حزيران 1982 ذهب ميشال اده الى موسكو على رأس وفد تلبية لدعوة رسمية. الخميس 3 حزيران تلقى خبر اغتيال سفير اسرائيل في لندن شلومو ارغون، فاتصل لتوّه برئيس الجمهورية الذي بادره بكلمة واحدة: "ارجع". فقال له ميشال اده ان الحرب "واقعة حتما". اليوم التالي (4 حزيران) بدأت اسرائيل غارات جوية على لبنان، فيما لم يكن في وسع ميشال اده للانتقال من يريفان الى بيروت سوى انتظار السبت، فيغادر الى باريس، ومنها الاحد 6 حزيران الى بيروت. في المطار، الرابعة بعد الظهر، استقبله سفير الاتحاد السوفياتي الكسندر سولداتوف وأحد اصدقائه الذي ابلغ اليه ان الاجتياح الاسرائيلي بدأ. فرد ميشال اده: "C 'est Bachir qui vient". اما الكسندر سولداتوف فاعلمه بان الرئيس دعا سفراء الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن الى اجتماع في قصر بعبدا، الساعة الخامسة. وتوجها الى القصر الجمهوري في سيارة واحدة. عند المدخل الخارجي التقى ميشال اده بشير الجميل، الى جانب الباب، يقول له: "Sorry ميشال". اجابه: "على ماذا؟". قال بشير: "لا ارى انك ستكون انت الرئيس". رد: "الله يساعد هالبلد". بعد سنتين تماما، في حزيران 1984، قال له الرئيس المريض: "لو لم يحصل الاجتياح الاسرائيلي لصرت رئيسا. اشتغلتها لك. لكنها مرَّت من تحت منخارك".  مرَّت مرة اولى، وكادت تكون مرة ثانية. عرف ميشال اده عبد الحليم خدام مطلع السبعينات، مع تعيين ابن خالته خليل ابو حمد وزيرا للخارجية في اولى حكومات عهد سليمان فرنجيه (1970). والتقاه للمرة الاولى في غداء تكريمي عام 1971 اقامه خليل ابو حمد على شرف نظيره السوري. بضع مناسبات متقطعة لم توطّد العلاقة بينهما، الا مع تعيين ميشال اده مجددا وزيرا للاعلام في عهد الياس سركيس (1980) بفعل الزيارات المتكررة للوزير السوري لبيروت، في خضم مناقشة العلاقات اللبنانية - السورية ومحاولات لجم التدهور الامني في البلاد. ثم تكررت لقاءاته وعبد الحليم خدام ومسؤولين سوريين آخرين على امتداد عقد الثمانينات في طريقه الى باريس عبر مطار دمشق، من جراء معاودة الحوادث الامنية في لبنان واقفال مطار بيروت. وفي التسعينات، بعيد تعيينه وزيرا للثقافة والتعليم العالي في حكومة رفيق الحريري (1992)، عزّز اتصالاته ولقاءاته بالمسؤولين السوريين المعنيين بالملف اللبناني وآخرين كنجاح العطار وزيرة الثقافة، فوقّع معها في العاصمة السورية في 4 ايار 1994 اتفاقا ثنائيا خاصا بالتعليم العالي والبحث العلمي، وفي 19 ايلول 1994 اتفاقا ثقافيا بين البلدين. في أواخر الثمانينات، قبل اشهر قليلة من نهاية عهد امين الجميل (1988)، نقل اليه محسن دلول اكثر من مرة رغبة عبد الحليم خدام في الاجتماع به. فذهب اليه في بلودان برفقة محسن دلول الذي ما لبث ان تركهما يختليان في لقاء طويل استمر ست ساعات في بيت عبد الحليم خدام. يقول ميشال اده ان العلامة الفارقة في هذا الاجتماع هي "الغداء اللذيذ" الذي اعدّته "ام جمال". على ان الاسئلة الكثيرة والمتشعّبة لنائب الرئيس في مواضيع مختلفة حملت ميشال اده على مخاطبة محدّثه: "هل تمتحنني؟". اجابه: "لا... استمع الى رأيك فحسب. نحن نقدّرك ونحترمك. واود ان اكوّن صورة شاملة وواضحة عن كل المواضيع". كثيرة هي المرات التي يرغب فيها عبد الحليم خدام في الاصغاء الى اراء ميشال اده واستنتاجاته في الموضوع الاسرائيلي، وتطورات الاوضاع الداخلية في الدولة العبرية. في اجتماع الساعات الست استفاض في الحديث ايضا عن المسيح والمسيحيين وعن التعاليم المسيحية حتى فاجأه مضيفه بعبارة مفادها انه اكتفى منه بهذا المقدار. بعد اكثر من سنة، وعلى اثر اقرار اتفاق الطائف في المملكة العربية السعودية، التقى سياسيون لبنانيون بينهم وليد جنبلاط ونبيه بري في مكتب نائب الرئيس السوري، أواخر تشرين الاول 1989، يعرضون الاسماء المحتملة لرئاسة الجمهورية. سُمّيَ اولا رينه معوض، فالياس الهراوي. عندها سأل وليد جنبلاط: "ومِمَّ يشكو ميشال اده؟". ردّ عبد الحليم خدام فورا، وفي جواب قاطع لا يتحمّل التفسير والاستطراد: "لا... انه كنيسة متجوّلة". ثم تكررت الزيارات، ينقل الدعوات اليها تارة محسن دلول، وطورا ميشال سماحة وسامي الخطيب. واحيانا يبادر ميشال اده من تلقائه في طلب موعد للزيارة. يذكر بعض هؤلاء ان لقاء جمعه في دمشق برئيس هيئة الاركان العامة في الجيش السوري العماد حكمت الشهابي، ابان مرحلة محادثات الطائف واعتصام رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية ميشال عون في قصر بعبدا، افضى مسار الحديث الى مناقشة مصير ميشال عون، فاظهر ميشال اده عدم حماسته ولا تشجيعه دمشق على تأييد عملية عسكرية تطيح العماد وتخرجه من القصر الجمهوري، موحيا انها قد تكون "ضد الموارنة". بعد المقابلة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم