الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"صفقة القرن"... ماذا يعني الرهان على "ازدهار بلا واقعيّة"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

إغراءات مفلسة

بطبيعة الحال، لا يؤمل كثيراً من ازدهار وإعمار في ظلّ دولة عنصريّة. من هنا، وصف الباحث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة" هيو لوفات خطّة كوشنر بأنها "وهم". وكتب في الخامس من الشهر الحاليّ: "يبدو أنّ جاريد كوشنر، واحداً من المهندسين الأساسيّين لما يُسمّى ‘صفقة القرن‘ من أجل إنهاء النزاع الفلسطينيّ-الإسرائيليّ، اكتشف أخيراً الاتّحاد الأوروبّيّ". أشار الكاتب بذلك إلى السفر المستعجل لكوشنر إلى بروكسل في الرابع من حزيران بعد تمرّد منظّمة التحرير الفلسطينيّة وانحدار السياسات الإسرائيليّة إلى مستوى غير مسبوق من الفوضى.

ثمّة الكثير من الثغرات في الخطّة كي تتمكّن جولات كوشنر المكّوكيّة قبل انعقاد ورشة البحرين، من أن تعالجها. وليست أهمّها عدم تفكير الأميركيّين بحلفائهم الأوروبّيّين إلّا حين اشتدّ الخناق على "الخطّة" واقترابها من حافّة الفشل. وهذا ما تطرّق إليه الباحث إذ وجد أنّ زيارة بروكسل جاءت متأخّرة جدّاً أي بعد أن استغرقت دراسة الصفقة حوالي سنتين، إضافة إلى طلب كوشنر من الأوروبّيّين الاستثمار في مشروع لا يعرفون شيئاً عنه.

إحدى الثغرات البارزة في الخطّة تكمن في رفضها من الجانب الفلسطينيّ. وما يدرسه كوشنر في هذا الإطار، قد يكون نوعاً من الرشوة لدفع السلطة الفلسطينيّة إلى القبول بالعرض الأميركيّ. لكن مجدّداً، لا يرى لوفات إمكانيّة للنجاح في هذا الإطار، بما أنّ ما يُعرض عليهم هو تفاوض أقرب إلى حالة "إفلاس" منه إلى حالة سلام:

"يبدو أنّ الولايات المتّحدة تأمل في أنّ حزمة اقتصاديّة سخيّة ستغري الفلسطينيّين للتخلّي عن مطالبهم السياسيّة الوطنيّة جاعلة إيّاهم أكثر استعداداً لإجراء صفقة بأسلوب إفلاسيّ مع إسرائيل. لا شيء في تاريخ النزاع يشير إلى أنّ هذه المقاربة ستنجح".


حتى هوليوود عاجزة

مشكلة هذه المقاربة بحسب آخرين ليست في الأسلوب المعتمد بل في أسسها الأقرب إلى الخيال، حتى مع افتراض حسن النيّة وراء "الصفقة". تتغيّر الأرقام التي تظهر كمّيّة الاستثمار التي يريد الأميركيّون ضخّها في الضفّة الغربيّة والقطاع. أبرز رقم بحسب عالم الاقتصاد ورجل الأعمال الإيطاليّ جيان كارلو فالوري، هو 25 مليار دولار ويتمّ تأمينها على مدى عشر سنوات.

لكنّ خطأ رؤية كوشنر تكمن في أنّه يرى شرقاً أوسط من دون حدود، وغياب الحدود وفقاً لما يكتبه فالوري في موقع "مودرن ديبلوماسي" هو ما يؤدّي إلى الحروب. وتعليقاً على "الفرص" التي يسعى كوشنر لإنشائها بصفقته، يرى رجل الأعمال أنّ ما يطرحه المسؤول هو "فرص من دون واقعيّة". وأضاف: "لا يستطيع حتى فيلم هوليوود أن يقلب مأساة الهجرة إلى سوق ‘فرص‘ سهلة جدّاً" مشيراً إلى أنّ إلغاء الحدود يعني "تبخّر" السلطة الفلسطينيّة.

قد يكون للأوروبّيّين مروحة واسعة من أسباب رفض "صفقة القرن" ومن بينها الخلافات المتعدّدة مع إدارة ترامب. لكن حتى على مستوى بعض المراقبين الإسرائيليّين، لا تبدو الانتقادات خافتة، إن لم تكن أكثر حدّة.


هل يعود كوشنر إلى الواقعيّة؟

في "منتدى السياسة الإسرائيليّة" ومقرّه واشنطن، كتب مديره السياسيّ مايكل كوبلوف أنّ "الضم الجزئيّ لكتل استيطانيّة يهدّد بخلق نقطة تحوّل تغيّر الهيكليّة السياسيّة المحفّزة بعيداً عن الانخراط (الأميركيّ) البنّاء مع إسرائيل ونحو انتقاد أقسى مرتبط بسياسات ستحمل أكلافاً حقيقيّة لإسرائيل". جاء تعليق كوبلوف ردّاً على ما أعلنه بيت بوتيجيغ، أحد المرشّحين الديموقراطيّين للرئاسة الأميركيّة منذ أيّام: "إذا نفّذ رئيس الوزراء الإسرائيليّ تهديده بضمّ مستوطنات الضفّة الغربيّة، فيجب عليه أن يعلم أنّ الرئيس بوتيجيغ سيتّخذ خطوات لضمان أنّ دافعي الضرائب الأميركيّين لن يساعدوا (الإسرائيليّين) في دفع فاتورة" الضمّ.

ويعتقد كوبلوف أنّ رأي بوتيجيغ يعبّر عن شريحة واسعة من المرشّحين الديموقراطيّين، كما أنّ ضمّ المستوطنات في الضفّة الغربيّة لن يكون حدثاً بسيطاً خفيّاً عن رادار مراقبتهم. بالتالي، قد تبتعد إسرائيل بخطوة كهذه عن المراحل السابقة التي كانت فيها تحظى بالحصانة المطلقة.

على أيّ حال، قد يكون تعثّر "صفقة القرن" منبّهاً لكوشنر إلى أنّ كلام فريدمان لم يكن في محلّه. إذا أراد المسؤول الأميركيّ الحفاظ على ما تبقّى من حظوظ لنجاح صفقته، فقد يكون أفضل خيار أمامه هو عدم تشجيع تل أبيب على ضمّ مستوطناتها في الضفّة. إلّا إذا كان يؤمن حقّاً بأنّ غياب الحدود هو الحلّ العمليّ الوحيد لصراع تخطّى سبعة عقود من الزمن.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم