الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"النوم مع العدو" يوجّه السّهام على الإرث المتراكم لترك فجوة في جدار الحياة الصّنميّة

المصدر: "النهار"
"النوم مع العدو" يوجّه السّهام على الإرث المتراكم لترك فجوة في جدار الحياة الصّنميّة
"النوم مع العدو" يوجّه السّهام على الإرث المتراكم لترك فجوة في جدار الحياة الصّنميّة
A+ A-

لا يظنّنّ أحدٌ أن هذا المقال هو مناسبة للإطراء والتقديم لتجربة فنيّة سطعت في بيروت منذ فترة شهر، فالتضامن الحيّ والحقيقي الذي جرى مع فاعليات معرض "النوم مع العدوّ" الأول، كان خير شاهد على أحقيّة الفكرة وصوابيّتها، وعلى حاجة المجتمع ثقافياً وبشرياً وفنيّاً لمثل هكذا مبادرات.

"النوم مع العدوّ" المشغل المباشر الذي استمر ثلاثة أسابيع متواصلة أمام الجمهور، شكّل نقطة فارقة على السّاحة البيروتيّة الثقافية، نظراً لفكرته وأسلوبه وللنشاط الثقافي الذي تخلّله. فلم يقتصر الموضوع على ورشات الرسم والتشكيل، بل ضمّ أمسية للقراءات الشعريّة وحفلة موسيقيّة لأصدقاء وكتّاب وفنانين أرادوا ترك بصمتهم في هذه الرحلة التضامنيّة.

هذه المرة انطلقت الخميس الفائت فاعليات المعرض بحلّة متطوّرة أكثر ومعدّلة، حلّة مدعومة بأفكار نقدية بحتة يعتنقها الفنانون الثلاثة (سمعان خوّام/ فادي الشمعة/ سارة شعّار)، يوجهون من خلالها سهامهم على كلّ ما تراكم من إرث فنيّ ثقافيّ وسياسي بغية ترك فجوة في جدار الحياة الصّنميّة اليوم.

تعديلات طفيفة بسيطة ولوجستيّة لم تغيّر في المضمون، بل أكسبته بُعداً إنسانياً نظراً للفكرة التي يحملُها المعرض هذه المرّة.

نستطيع القول أنّ هذه الرحلة التي سيحتضنها مجدداً كاليري كاف – الأشرفية بين 6 حزيران و27 منه، بين الرابعة عصراً والحادية عشرة ليلاً، خطوة نحو مأسسة فكرة "النوم مع العدوّ" وتعميمها. هذه الفكرة التي كان الغرض الأول منها إقامة سلسلة للهدم والتكسير للتابوات، الدين، المجتمع، والنضال أشدّ النضال ضد الصنميّة المستشرية في مجتمعنا.

هذه المغامرة محفوفة بعمليات تدوير الزوايا ومشغولة بكثير من الإنسيابية والاستغراق في كسر الخطوط المستقيمة وإعادة تركيبها في توليفة جديدة عصرية وهادفة.


تحدّي الأنوثة

الإضافة الجديدة اليوم تتمثل بمشاركة التشكيليّة سارة شعّار في فاعليات المعرض. سارة الآتية من عالم السّرد في اللوحة، سيشكّل وجودها علامة فارقة، بعد أسئلة كثيرة وجّهت للمعدّين عن وجود الوجه الأنثوي في المشغل. تنجمُ مشاركة سارة الآن، وغيرها من الفنانات التشكيليّات لاحقاً عن ملل وسقم من الهوّة الاعتباطية الموجودة في علاقة الرّجل بالمرأة. علاقة تقوم على مبدأ المسؤوليّة وتحويل المرأة إلى مجرد محلّ ومحطّ للشفقة والاهتمام الدائم واللازم.

هذه العلاقة الفجّة بين الفنانين والمرأة بشكل عام وسارة بشكل خاص ستتجلى من خلال تناول أفكار عديدة من شأنها كسر النمطيّة الرائجة؛ أوّلها مساواة الرجل بالمرأة، ليست المساواة المموّهة، بل التامة التي تجعلُ المرأة عنصراً حاضراً وكاملاً.

وجود سارة هو اختصار للندّية بين الرجل والمرأة. فسارة هنا هي ندّ لسمعان وفادي بكلّ ما للكلمة من معنى. أي ببساطة وجودها سيكون تعدّياً على الذكورة وكسراً للإيكو الذكورية.

بالإضافة إلى العمل اليومي، ستكون هناك نشاطات ثقافية تضامنيّة، سيغلب عليها الطابع الأنثوي من حيث الأمسيات الشعرية التي ستقام، تواقيع الكتب وحفلات العزف والموسيقى أيضاً، وأبواب المعرض ستكون مفتوحة أمام الكتّاب والشعراء والمهتمين للحضور والتواجد وإقامة النشاطات بشكل مترافق مع المشغل المستمر.

ولدى سؤال "النهار" عن تجربة كل منهم في "النوم مع العدو"، أجاب سمعان خوّام: إنها تجربة مهمة على الصعيد الشخصي، خرجتُ منها من الملل المسيطر على يومياتي ويوميات اللوحة. والأجمل كان الانتقال إلى المباشر مع الفنانين والمتلقي – المشاهد. وأيضاً هذا التشجيع الجماعي لبعضنا، للخروج بتصوّر جديد، حتى لو كان بسيطاً، لكنه سيتطوّر مع الوقت. وبالنسبة لمشاركة سارة في المشغل يعلّق سمعان قائلاً: مشاركة مساحة العمل مع سارة ستفرض علينا ممارسة مختلفة مع المكان والأنا الشخصيّة، ولأنها أيضاً بعملها مختلفة فنياً سيكون هناك تأثير وتأثّر وهذا هو الهدف المرجوّ.

أما بالنسبة لفادي فعلّق قائلاً: بصراحة، تفاجأت كثيراً في التجربة السابقة بعلاقة الفن بالمشاهد ومدى تأثره به. وأيضاً اكتشفت مع الوقت أن عملنا أثمر عن كسر المسافة بين الشاري والفنان، لم تعد علاقة مادية أبداً. وحول هذه التحربة فإنها من أهم المغامرات التي سأعيشها. التطور الفني غير المنتظر، وبالأخص عندما تحس كفنان بأن كلّ الأعمال الموجودة ملكك وملك غيرك بالتساوي، ومشاركة سارة كأنثى وسّعت دائرة التواصل بيننا كفنانين وغير ذلك من الانطباعات أتركه للوقت كي لا أكذب.

أما الوجه الأنثوي في المشغل الفنانة سارة شعار فأكدت أنها سعيدة جداً لمشاركتها في المعرض، خصوصاً إلى جانب سمعان وفادي، يهمها هذا الاختلاف الموجود بينهم، وتعنيها طريقة التفكير تجاه الأشياء، أي أن هناك خلفية ثقافية إيديولوجية لهذه المشاركة. باختصار سارة متحمّسة ومتفائلة جداً وتنتظر لترى ما ستؤول إليه الأحداث.

السؤال الأخير المطروح في ظل هذه الفوضى هو عن جدوى هكذا محاولات؟ وهل كانت لتوجد لو كان مجتمعنا سليماً؟ أين النقد الذي يوجه الحركة الثقافية والفنيّة؟ باختصار نحن أمام محاولات جوهرية ودائمة من أجل انتشال بقايا الإنسان فينا من موته ومن المكان غير المهذب في هذا الزمن الخراب.


سيرة

سمعان خوّام: مواليد دمشق ١٩٧٤، عصامي يعيش ويشتغل في بعبدات. سمعان فنان متعدد الموهبة، رسام وشاعر ونحّات وفنان غرافيتي. مواضيعه بنت المدينة التي يعيش فيها، وغالبية أعماله تقوم على التناقضات في السياسة، والعدل الاجتماعي وشحّ الحب والثقافة.

سارة شعّار: مواليد فلوريدا، الولايات المتحدة. عصاميّة، فنانة تشكيليّة تستكشف في أعمالها الحالة الإنسانيّة في الشرق الأوسط من منظار جمالي وسياسي. من خلال ضربات فرشاتها توجه مشاعرها كمجموعة من الألياف التي تنقل النبضات والأحاسيس إلى مشاهد. تستخدم سارة ذاكرتها البصريّة والمعرفيّة لإنشاء سرد فريد وحميم في اللوحة.

فادي الشّمعة: مواليد ١٩٦٠، بيروت. عصامي يعيش ويشتغل في بعبدات. فنان يشتغل بتقنيات وصور غير نمطية. يجمع بين اللعب والبحث اليومي عن الجديد، ليعطي كلّ سلسلة أعمال معالجة خاصة بها. تسير على خيط رفيع بين التجريد والواقع، المكشوف والمستور، العاقل والمجنون. تتميز أعماله بوضع المشاهد في واقع حسّي وبديهي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم