السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"إذا قيل أنتِ"... بكائية على إيقاعات جور الصاحبة والوطن

أحمد الشيخاوي
"إذا قيل أنتِ"... بكائية على إيقاعات جور الصاحبة والوطن
"إذا قيل أنتِ"... بكائية على إيقاعات جور الصاحبة والوطن
A+ A-

يمكننا القول إن عوالم أجدد دواوين الشاعر السوري ياسر الأقرع، بعنوان "إذا قيل.. أنتِ" الصادر ة طبعته الأولى 2018، عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، في حلّة أنيقة تضم 29 نصّاً، يلوّن بياض ما يربو على المائة صفحة من القطع المتوسط، إنما هو منجز جاذب ببكائية عزفه على وترين، على نحو يدمج خطابين أو يكاد، في تيمة وجودية واحدة ثرية المعاني والدوال، تجعل من الحبيبة والوطن، وجهين لعملة واحدة.

سبق أن طالعتُ للشاعر مجاميع قبل هذا العمل القيم، والذي ينمّ عن اتساع في الرؤية كما استثمار في المنظومة المفاهيمية المحتفية بسياقات القضية، والسباحة مع أفلاك تطوراتها،

بحيث تطرح القضية للتشريح، ضمن مستويات رمزية للحكي، خارج النص والزمكان، معطية جملة من الانطباعات، بمعزل عن تكرار الذات أو محاكاة الواقع، أو اجترار معجم المفردات القشيبة الذي سلف استنزاف تمرير رسائل قضايا المرأة والوطن، تبعاً لإيقاع الاستعطافات الشعبوية، ضمن خرائطيته، حدّاً يشوّه متاهات تعاطيه ويعبث بشعرية الطرح.

نقتبس له هذا التصوير المدغدغ بتداخلات الدلالة، مراوحة بين هواجس الانتماء والحسّ الرومانسي المنوّم، يقول:

[وشكوتُ من وجع يمدّ أظافرا / نهشت فؤادي.. وارتوت بضلالي

قابلتِني بتوتّر.. وذكرتِ لي / ذنباً مضى ونسفتِ لي أقوالي

وكأنّ روحي قُطّعت من صخرة / وكأن جسميَ..بات كالتمثال](1).

وجع وجَور وقسوة وسكرة وجودية، تمتزج فيها الانشغالات العاطفية والهويّاتية، اطّراداً مع تفاصيل محرّضة على مزيد من الشكّ والقلق في أسئلة المركزية الذاتية الحارقة، مما يخلط الأوراق ويبرز المشهد مفتوحاً على فوضوية وعدمية، تعكس إلى حدّ بعيد مقاصد الاحتفاء بالحياة على تنوع صورها في اتصال مسالم ومساكن، وأفق تصالح واعد مع الذات والجذر.

وهذا طقس ثان من هذه البكائية التي لا تفصل بين الحضور القوي للصاحبة والوطن، وفق تيار ذهني هادر، توبّخ من خلاله الذات الشاعرة، منفى التشظي والغربة الروحية والانكسار:

[ يا أنتِ.. يا وطني، خوفي يغرّبني/ حتّى السؤال إلى منفاي يُدنيني

أضمّ كفّي على خوفي .. أخبّئه/ لا تطلقيه فإن الوهم يُشقيني

خوفي كعاصفة.. حرف يدفئني/ إن شئتِ.. أو آخر للريح يرميني

لا توقدي وجعي.. لو غبتِ ثانية / تبكيك روحي كما أوراق تِشرين

لا تعبري بي إلى شطآن خاتمتي/ لا شيء بعدك ـــــ إن غيّبتِ ـــــ يُحييني](2).

بقناع نرجسي، يتجلّى هذا التشبّث بفوقية الشعر، كمعادل للوهم الذي يوقف زمنه الشاعر ياسر الأقرع، مقارعاً لحظة الخواء التي ينتجها مثل هذا الاصطدام الذاكراتي المخملية، بمحطات تقاطع الحبيبة والوطن مجدداً، ليعيش لذة الإبداع في اكتفاء أو ما يشبه الاقتناع بكهذا "غياب" يسع جور الصاحبة له هو،كما الوطن على حدّ سواء، بل الذات المقارعة ههنا، ترعى هذا "الغياب" بما يقطع عليه بلوغ سقف "التغييب" الذي قد يغتال روح الوهم، أقصد يخنق الذات، ويُولجها شللاً وجودياً، يأفل له الشعر وتفنى منابره.

ترتيلة هامسة تصون غيابها ويصونهها، وفق شاكلة تغمز بدوال تشاكلات الرومانسي والهويّاتي، تماماً كما فذلكنا.

نقرأ له أيضاً الطقس التالي:

[حرف يحملني للقمّه...

حرف يُرسلني للقاع

أي جنون..

أن أبحر في حديثك دون شراع...

أي جنون ما أفعله يا مربكتي...

أي ضياع...

لا...لا

فإذا أكتب في ضحكتك الحلوة شعري

أكتب فيها.. كي أنسى عجز الكلمات

فلعلّ الشعر يصوّرها.. قيثاراً مجنون الأوتار..

يثير حنين النجماتِ

ولعل الشعر يصوّرها..تنهيدة ناي موجعة

دفئاً في بوح كمنجاتِ

ولعل الشعر](3).

يلتزم ياسر الأقرع بالنفَسين العروضي والتفعيلي، ويخلص لهما أقساطاً تمكّنه من إفراغ الحمولة والوجدانية، ورسم ملامح اللعبة الكلامية، حسب منسوب زائد لوجع الانتماء.

يستقلّ عن سائر ما تتكرر له الذات، أو يستنسخها تعبيرياً وجمالياً وعرفانياً حتّى، وإن وقع في فخ "النزاريات" أحياناً، بيد أنها طعنة مركّبة ومضاعفة مربكة إلى أقصى الدرجات وأكثر خلطاً للأوراق، مثلما أشرنا.

فوحدها القصيدة المكابرة قادرة على نسج ملامح هذا التمني، وهو يصوغ معاني الحياة الموازية، أقلّه كما تشتهيها ذات تكابد منفاها الوجودي القاهر والغامز بعنكبوتية الشبه ما بين الصاحبة والوطن.

هامش:

(1)من قصيدة "مُشاكِسة" صفحة30/31.

(2)من قصيدة "عندما تبكيك روحي" صفحة57/58.

(3)من نص "شعري وجنوني... وحضورك" صفحة87.

*شاعر وناقد مغربي

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم