الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كانّ ٧٢ - "الحياة اللامرئية لأوريديسي غوزماو" الفائز بجائزة "نظرة ما": سرد ميلودرامي لمعاناة وظلم

المصدر: " النهار"
كانّ ٧٢ - "الحياة اللامرئية لأوريديسي غوزماو" الفائز بجائزة "نظرة ما": سرد ميلودرامي لمعاناة وظلم
كانّ ٧٢ - "الحياة اللامرئية لأوريديسي غوزماو" الفائز بجائزة "نظرة ما": سرد ميلودرامي لمعاناة وظلم
A+ A-

في برازيل الخمسينات، يتم فصل اخت شابة عن اختها الشابة. إحداهما (غيدا - جوليا ستوكلر) لطالما حلمت بالحبّ والتحرر من قيود العائلة الضاغطة، في حين ان الثانية (أوريديسي - كارول دوارتيه) لا تطمح إلى شيء سوى العزف على البيانو. فالأب، وهو رجل محافظ معدوم الضمير، يطرد غيدا من المنزل بعد عودتها حاملاً من شاب عاشت معه علاقة فاشلة. ثم لا يخبر أوريديسي بأنها عادت. أما الأم فلا كلمة لها في كلّ ما يحدث، ولا وجود حتى. هي تعيش في ظلّ "رجل البيت". تتطور الحكاية عبر السنوات بشيء من الميلانكوليا. نتابع معاناة كلٍّ من الشقيقتين على حدة. الواحدة تختلف عن الأخرى طموحاً ومصيراً. هل ستلتقي طريقهما؟

 

هذا ما ندعكم تكتشفونه في "الحياة اللامرئية لأوريديسي غوسماو" للمخرج البرازيلي من أصل جزائري كريم عينوز الذي فاز بجائزة "نظرة ما" في الدورة الأخيرة من مهرجان كانّ السينمائي (١٤ - ٢٥ أيار).

الفيلم مقتبس من رواية لمارتا باتالا صدرت عام ٢٠١٥. رواية تستعير العديد من التيمات الرائجة حالياً، منها السلطة الأبوية والعنف تجاه النساء والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. رغم ان الأحداث تجري في منتصف الخمسينات، فبعض المواضيع المطروحة تفاجئ المرء لكونها لا تزال مجال أخذ ورد. صداها لا يزال ماثلاً في حاضرنا بأشكال مختلفة.

كلّ واحدة من الشقيقتين ستعاني على طريقتها. كلّ واحدة ستتعامل مع الذكورية وتحاول ان تلملم بقايا الأحلام المسلوبة ضمن حدود امكاناتها. لكن طريق الحرية محفوفة بالذل والمهانات والاقصاء والعنف لكلتيهما. المتفرج سيكون شاهداً على هذا كله من خلال سلسلة رسائل تتبادلها الشقيقتان.

هل السعادة ممكنة من دون الأهل ورضاهم؟ هذا واحد من الأسئلة التي قد يطرحها الواحد منّا وهو يُشاهد الفيلم.

من خلال اسناد دور الجلاد إلى الأب منذ بداية الفيلم، يضع المخرج نفسه في المأزق ولا يسهّل الأمور لا على الشقيقتين ولا الأم اللواتي يعانين من بطشه وسلطته، ولا على المُشاهد المضطر ان يكون إلى جانبهن من دون ان يعرف أي شيء عن شخصية الأب. عدم افساح المجال لنا كي نتعرف إلى الأب وتفكيره كي نرفضه من تلقاء أنفسنا، خلل عميق في الفيلم وتقصير من جانب المخرج. فالمشكلة كامنة في سلوكه وعقليته لا في العائلة التي تدفع الثمن. لا يكترث عينوز بالسبب، ذاهباً إلى النتيجة بخطى واثقة. كان يُمكن صرف النظر عن هذا لو انه قدّم لنا فيلماً قصيراً، ولكن ما يأتينا هنا هو فيلم من ١٤٠ دقيقة، يدور معظمها في حلقة مفرغة.

يقدّم عينوز فيلماً مكتملاً على صعيد المعالجة البصرية: صورة حسيّة عريضة دافئة ذات ألوان صارخة تعبّر عن مأزق الشخصيات وحالتها النفسية وتأتي بمقدار من الحميمية، ولكن لا تنفك تتحول عبئاً على الفيلم من شدة حضورها، في غياب أي هم آخر سوى السرد التسلسلي لبلوغ الخاتمة. أما الميلودراما، فهي النوع الذي وجد فيه الفيلم ضالته لسرد حكاية انقسام عائلي ومحنة، حكاية تبقى دائماً على حافة الأشياء، من دون ان تقحمنا في حالات هستيرية أو تأخذ مواقف حاسمة أو تضع الشخصيات أمام معضلات كبيرة. حتى الصراع بالمعنى التقليدي للكلمة غائب ما إن تتوضح طبيعة المشكلة.

عينوز صادق في طرحه. لكنه لا يمسك بخيوط الموضوع كاملة. هذا بالاضافة إلى ان الكثير من التفاصيل لا يمكن تصديقها، منها مثلاً ان الشقيقتين تعيش كلّ منهما على بُعد مسافة قليلة عن الأخرى، ومع ذلك لا تلتقيان. في المقابل، يبرع في خلق وحدة مسار ومصير بين الفتاتين بالرغم من المسافات التي تبعدهما، وبالرغم من ان واحدة منهما عاشت وهي تبحث عن الحرية والأخرى اذعنت إلى حدّ ما للأعراف الاجتماعية. يقول الفيلم ان الكلّ، سواء تمردوا أو خضعوا، فمصير واحد في انتظارهم.

أخيراً، يصوّر عينوز مَشاهد الجماع كتعذيب. يدور معظمها في أماكن حقيرة، كالحمّام أو تحت السلّم. هذه المَشاهد تأتي كآخر مسمار يُدَقّ في نعش حياة الاقصاء التي ستعيشها كلّ واحدة من الشقيقتين. الجنس هنا يحمل في داخله المتعة والخطيئة في آنٍ واحد، بالرغم من ان أي حكي عن الدين غائب تقريباً عن الفيلم. من سلسلة تناقضات وتلميحات وتحديات، يولد فيلم ينطوي على الكثير من الصعود والهبوط، يقنع أحياناً ويخيب في أحايين أخرى، ولكن في المجمل يُشاهَد كعمل “ترفيهي” لا يترك أثراً كبيراً في النفوس بعد خروجنا من الصالة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم