الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - لبنان الحرب المقيمة... والسلام التائه؟

المصدر: أرشيف "النهار"
أرشيف "النهار" - لبنان الحرب المقيمة... والسلام التائه؟
أرشيف "النهار" - لبنان الحرب المقيمة... والسلام التائه؟
A+ A-

مرة اخرى - ترى، هل تكون الاخيرة؟ - يزور السيد كريستوفر وزير الخارجية الاميركي الشرق الاوسط من غير ان يزور لبنان... والسلطات اللبنانية "المسؤولة" (المسؤولة عن الجنوب كذلك؟... فعلاً وحقاً؟...) لا تشكو همها ولا تشتكي (لمن تشتكي؟...) ليأسها ولا ريب من اقناع واشنطن بأن لبنان ليس منطقة "موبوءة امنياً" لا تستحق زيارة رجل اعمال اميركي، فكيف بوزير الخارجية؟ هذا مع العلم، بين هلالين، بأن الاميركيين لم تمنعهم حكومتهم من زيارة مناطق اكثر اضطراباً من لبنان، ومن بيروت على الأخص... وبأن المواطنين الاميركيين الذين سبق لهم ان خُطفوا، ايام "الاضطرابات" الجدية، هم الذين يؤكدون لحكومتهم ان لا خطر على احد الآن في لبنان، ويناشدون واشنطن رفع الحظر. فضلاً عن ان محاكمة المتهمين بنسف "مبنى البرجين" في نيويورك (وقد فاق عدد القتلى والمتضررين نتيجة النسف عدد الضحايا الاميركيين في لبنان طوال سنوات الحرب، بمن فيهم المخطوفون!) أثبتت ان العواصم الاميركية هي ايضاً ليست في منأى من "يد الارهاب الطويلة"...    ولكن، ما لنا ولذلك كله، ليس هذا جوهر الموضوع. جوهر الموضوع، نكرر ذلك نحن وسوانا للمرة المئة ربما، هو مأساة المسؤولية عن الجنوب في لبنان، ولنقل مأساة السلطة التي تتكاثر الدلالات على انعدام "رشدها" (وهذا ما تعترف هي به!!!) كلما اتت حركة او تفوهت بكلمة او اطلق واحد من اهلها تصريحاً. وقمة "اللارشد" هي في تناقض المواقف، بين من يدعو الى دعوة مجلس الأمن للشكوى على اسرائيل، ومن يهددها بمثل الذي نشكو منه (وقد لا يكون ذلك في متناولنا على اي حال) مما كنا نظنه، لولا علمنا ب"جهل الجاهلين"، تحريضاً مفتعلاً لاسرائيل، حتى تكثر من اعمالها العدوانية الاجرامية، فنكثر مما يتيسر لنا من المقاومة، وتستمر حلقة العنف الجهنمي في تصاعد وليس من يتدخل، ولا من يرد على شكوانا، ولا من يرد اسرائيل عنا او يردعها. والأمر، بالطبع، كان يكون معقولاً ومنطقياً لو كنا نريد عن دهاء او استراتيجيا بعيدة النظر طويلة الباع - استدراج اسرائيل الى حرب لن نكون فيها وحدنا. فتشتد الازمة حتى تنفرج، وتكون الحرب هي طريق السلام! غير ان كل شيء يدل على عكس ذلك، فلا دهاء ولا من يتداهون، بل مجرد الاستمرار في اطلاق الشعارات "الثورية" التي كانت رائجة قبل الحرب، ثم قبيل اجتياح 1982، التي دفعنا ثمنها وحدنا غالياً، بل غالياً جداً، فلا هي اوصلتنا الى تحرير ارضنا المحتلة، ولا هي اعادت شبرا واحداً من الارض المقدسة الى الفلسطينيين الذين احترفوا ترويجها و"التغرغر" بها والتصفيق لها و"استصفاق" الآخرين... بل على العكس وصلت بالثورة الى طريق "اوسلو" المسدود وجعلتها اسيرة "سلام" ليس في متناولها الآن الخروج منه ولا الخروج عليه ولا هي قادرة بعد حتى على اكثر من الشكوى (آه من ثورات الاشتكاء!!) الى حائط مبكى غير موجود...    والأنكى من ذلك كله ان لا حاجة بنا الى كل هذا الدهاء حتى نفتعل حرباً ولو من اجل السلام... فالحرب موجودة عندنا، وكل ساعة من كل يوم، براً وبحراً (نعم بحراً، من غير شر) وجواً... ولا احد يفاوضنا في امر سلام. حتى ولا في امر السلام الذي تعلن الدول التي نرتبط بها، وتلك التي نتكل عليها، ان السلام "قرارها الاستراتيجي" وهي ماضية تفاوض في شأنه كل يوم، بصورة من الصور، حتى اذا ما تعثر اشتكت، هي، الشكوى الناجعة فيهرول وزير خارجية اميركا لزيارتها ومباحثتها ولو لم يكن في جعبته جديد يعرضه عليها، لا في شأن الانسحاب، ولا حتى في شأن الحد من انتشار الاسلحة النووية.    بعد ذلك كله، الم يحن اوان الجد؟ ألم نشبع بعد من افطارات الكلام المنمق الذي يتخم ولا يشبع؟ ومتى نفيق من نشوة (وقل سكرة، ولو في رمضان مبارك!) الكلام الفارغ غير المسؤول الذي لم يعد يكسب صاحبه حتى ولا التأييد السياسي والشعبي في انتخابات لن تجرى اذا استمر حالنا هكذا، او هي اذا صدف واجريت فقد تفاجئنا وليس في الجنوب من يقترع ولا من يعقد مهرجانا في ظل الاطلال ولا من ينتخبون... اوان الجد يبدأ حين نقنع بعضنا بعضاً، ايها السادة المسؤولون بلا مسؤولية فاضحة، ان قضية الجنوب ليست "مسألة داخلية" وان اهله وارضه والمصير ليست سلعة سياسية تباع وتشرى بترهات الكلام، يطلق من القصور المغانم، فضلاً عن قصور المحميات... وكفى!    اما بقية الجد، ففي كلام بسيط: السيد كريستوفر سيزور - وليس الامر مصادفة - عواصم الدول العربية الثلاث التي عقد رؤساؤها قمة الاسكندرية: دمشق والقاهرة والرياض. وقمة الاسكندرية قررت متضامنة التحرك تأييداً لسوريا ولبنان، في سبيل السلام الشامل، الذي هو السلام الحقيقي، واعلنت انها منطلقة من التزامها قرار السلام هذا قراراً استراتيجياً لا رجوع عنه. فماذا ينتظر لبنان للتحرك في اتجاه هذه الدول الشقيقة، بل الشقيقة جداً، وعلى اعلى المستويات، وبمنتهى الصراحة والعلانية بل الشفافية، ليطالبها بمبادرة تتجاوز التعزية الكلامية الى تضامن ديبلوماسي عملي... بدل مضينا في التستر والتلهي بدعوة سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس أمن لن يجتمع، ودعوة السفراء هؤلاء على مستوى سفير ربما لحرد الوزير... وكأننا نستجديهم هذه التصريحات التي تراوح بين الابهام وتبرئة الذات. مرة اخرى، ايها السادة المسؤولون بلا مسؤولية: قضية الجنوب ليست قضية داخلية، ولا هي قضية رأي عام لبناني نستخف به فنسترضيه بكلام السفراء - عندما تنضب تصريحات الوزراء وعنترياتهم - علّها تبلسم جروح النفوس لعجزها عن مقاربة جروح الارض، فكيف بمداواتها؟!    الجد هو هذا: في مكان قريب، في يوم قريب، سيتفاوض من في يدهم قرار الحرب الحقيقية وامر السلام الحقيقي. ونحن يئسنا من ان نكون هناك، ساعة المفاوضة، مسموعي الصوت والكلمة. فهل اقل من ان نجرؤ على التذكير بأن الحرب - الحرب الحقيقية - هي هنا، في ارضنا اللبنانية وعليها... وان السلام الحقيقي المتخذ في شأنه قرار استراتيجي، هنا، عندنا يجب ان يكون قراره... فليبلّغونا الشروط، على الاقل، وليتحملوا معنا مسؤولية الطريق، بل مسؤولية الارض والناس، حتى لا نظل تائهين كاليهودي التائه في الرواية العتيقة... الحرب على حسابنا، والسلام كذلك... واذا جاءت الحرب في غير وقتها الاستراتيجي، اتهمونا غداً بتعكير المياه (وكأنها كانت صافية!) ويكون جزاؤنا حرمان السلام... واذا جاء السلام ونحن لا نزال نطرب لاناشيد الحرب، عاقبونا كذلك، بالحرمان اياه لأننا لم نطلب من احد سلاماً. فكيف يعرفون، يا ترى، ماذا نريد ونحن لا نعرف ولا نقول؟... مفهوم؟ غسان تويني

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم