الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الآن تذكرتُ مهنتي ككلب في صحيفة رسمية

مصطفى علوش
الآن تذكرتُ مهنتي ككلب في صحيفة رسمية
الآن تذكرتُ مهنتي ككلب في صحيفة رسمية
A+ A-

منذ وصولي إلى ألمانيا وأنا أحاول أن أتذكر مهنتي السابقة.

في المرحلة الأولى اعتقدتُ أن مهنتي كانت فرّاناً، ثمّ تذكرت لاحقاً أنني لم أكن صالحاً لهذه المهنة. كل ما في الأمر أنّ وهماً استوطن رأسي في الطفولة، مفاده أني قادرٌ على العمل كفرّان، وذلك جراء انتظاراتي الطويلة أمام فرن الخبز الأبيض من أجل شراء حصة الخبز للأسرة الغارقة في الفقر.

حدث مرةً أني اعتقدتُ أنّ مهنتي كانت محرراً في الصحافة الورقية.

بحثتُ في العم "غوغل" عن كل موادي المنشورة، فلم أعثر على شيء. وجدتُ اسماً آخر مطابقاً لإسمي ما عدا اسم الأم. ذاك الإسم الآخر نشر باسمي كل موادي الصحافية، وربما هو أيضاً كان يعتقد أنه أنا.

قالت لي زوجتي التي تشعر بالملل هنا إن مهنتي كانت طبّالاً، حتى أنها بحثت في صوري الشخصية ووجدت لي صورة نادرة وأنا أطبّل فيها، وذلك بعد قبضي منحة من القائد العام للبلد، بلغت يومها أربعة آلاف ليرة سورية.

في الحقيقة شعرتُ بأن مهنة الطبّال لا تناسبني كثيراً. فحتى تاريخه لا أفرّق بين علامات الموسيقى وعلامات الحرب. كل ما في الأمر أنني أدبكُ في الغرفة كل يوم مرتين حتى لا أنسى وظيفة رجلَيّ.

طفلتي الصغيرة قالت إن مهنتي السابقة كانت جلاداً، حتى أنها أثبتت ذلك بعدد المرات التي تحدثتُ فيها خلال نومي وكنتُ أهذي بعبارات تدلّ فعلاً على أني كنتُ جلاداً. حين بحثتُ في البيت، وجدتُ بقايا كرباج قديم كدليل حقيقي على عملي السابق.

جارتي الألمانية قالت إن مهنتي السابقة قد أثّرت في طريقة تفكيري الحالية. سألتُها ما هي مهنتي السابقة؟ قالت: لقد كنت حفّار قبور. ذكّرتني بأحاديث لي عن عدد القبور التي حفرتُها في حياتي وأن هذه المهنة مربحة جداً وأحياناً يمكن المرء أن يحصل على مكافآت إضافية إذا كان الميت من الطبقة الغنية، حيث يستعجل أفراد أسرته دفنه من أجل الوصول بسرعة إلى مرحلة تقاسم التركة.

أحدُ الأصدقاء القدامي وخلال محادثة عبر الواتس آب، ذكّرني بعملي السابق كمترجم في السلك الديبلوماسي، وذكّرني بصوري في مهمات السفر التي رافقتُ فيها السيد الوزير.

اليوم، صحوتُ باكراً وقلتُ من غير المعقول أن أنسى مهنتي السابقة، وعليّ تذكر مهنتي فوراً، فوزارة العمل هنا تلحّ على ضرورة ايجاد عمل هنا.

أخذتُ في التحديق في ماضيَّ المهني فعرفتُ فوراً أن مهنتي السابقة كانت كلباً.

نعم، كانت مهنتي كلباً. فقد عملتُ مطولاً في صحيفة رسمية في مهنة كلب، وكنتُ مدرباً على النباح الطويل على الحكومة وعلى وزرائها، كما أني كنتُ أتناول عظام الخراف التي كان يعطيني إياها رئيس التحرير على شكل راتب شهري. حدث مرة أن نبحتُ أكثر من اللازم فبحّ صوتي لشهر كامل.

مرةً مُنعتُ من النباح لمدة شهر بسبب إختلاط في فهم المعنى، حيث نبحتُ على السيد الرئيس معتقداً أنه رئيس الحكومة.

شعرتُ بالسعادة، وقلتُ لزوجتي أرجو أن تحضري لي اليوم وجبة تصلح للكلاب، فاليوم سأذهب إلى موعدي الرسمي وسوف أطلبُ العمل هنا ككلب، نعم. هنا الكلاب تعيش حياتها الطبيعية، وسوف أنبح هنا بحريتي التامة شريطة أن أعرف من هو صاحبي. ومن باب التحضير للعمل تدربتُ على كل أشكال النباح العامة ومعاييرها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم