الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"بتبسط أمك، بتقهر حماتك"... الجلّاب وعباراته تضفي أجواء محبّبة في رمضان

المصدر: "النهار"
طرابلس- رولا حميد
"بتبسط أمك، بتقهر حماتك"... الجلّاب وعباراته تضفي أجواء محبّبة في رمضان
"بتبسط أمك، بتقهر حماتك"... الجلّاب وعباراته تضفي أجواء محبّبة في رمضان
A+ A-

"مين ما صف صواني... صار حلواني! مين ما قال سكر... حلي تمو"! يردد مُصَنِع وبائع الجلاب عدنان العامودي هذه العبارات، بروحية تناكفية، مع بعض التحدي، وبنكهة تهكمية. هي الروحية التي تطغى في أحياء طرابلس الشعبية الناجمة عن نزعة "قبضايات" الشوارع المتنامية في ظل غياب السلطة، وإهمالها للمناطق الفقيرة.

العامودي ليس بائع الجلاب الوحيد في طرابلس، ولا آخرهم. لكن ما يلفت لديه هو ما يردده من عبارات فكاهية محببة للجميع، يبدأها بـ "أهلا بهالطلة الحلوة وأهلا بزوارنا الكرام"، وهي أيضا روحية تمتاز بها مدينة #طرابلس، ولم تتخلَ عنها رغم ما مر بها من مصاعب، يرددها العامودي ببشاشة، ورحابة صدر، غير آبه بممارسة السلطات المعنية بحقه، ومطارداتها له، كما بقية الباعة التراثيين. إنهم الضعفاء الذين لا حماية لهم، والمزعجين بنداءاتهم لمن تثقف بالتغريب، وبات التقليد المحلي معيبا له.

تتنقل مرابط العامودي من حي إلى آخر، فقد بدأ بالأسواق الداخلية، وعندما رغبت السلطات البلدية بـ "تنظيم" الشوارع، نقل مربطه إلى الخارج، واتخذ من شارع التل المزدحم بالمارة مركزاً عند زاوية رصيفه، يبيع الجلاب والعصائر المختلفة، وتشكل مهنته مورد رزقه.

وعندما جاء دور شارع التل بالتنظيم، طاولت إجراءات السلطة العامودي، فنقل عربته، وما عليها من مستوعبات ملونة بتلاوين العصائر التي يصنعها إلى زاوية قريبة من شارع المعرض، بعيدا من إجراءات السلطة المحلية التي تمارس المنع دون تأمين بدائل رغم وفرتها.

وفي رمضان الحالي، افتتحت حديقة الملك فهد في المعرض، ونشأ فيها سوق تراثي للمأكولات والمشروبات التقليدية، فشكلت الحديقة إحدى متنفسات المدينة للفئات الشعبية، والمتوسطة الحال الباحثة عن هدوء، بعيداً من الصخب الحديث المتنافي مع روح الصوم الرمضاني، وتلافيا للأسعار الحارقة لجيوب أصحاب المداخيل المتواضعة.

وجد العامودي في الحديقة ملاذا آمنا، يقيه من الملاحقة أقله طوال شهر رمضان. أقام منشأته من رفوف وخزائن مزدانة، وفيها شهادة البلدية له "تقديراً لاهتمامه بمهنته"، على ما جاء في الشهادة، ورفع لافتة ظريفة العبارات: “هيدا أطيب جلاب دقتو بحياتك.. بتبسط أمك.. بتقهر حماتك".

ما إن يطل عابر السوق في الحديقة، حتى يتلقفه العامودي بالتأهيل والترحاب، وهو ممسك بنبريش نرجيلته التي اعتادها منذ صغره، لابساً ثوباً تراثياً عربيًا.

لم تعد عبارات العامودي لافتة للطرابلسيين، فهم متعايشون معها، ومع الكثير مثلها. يقول: "لا تنسوا نحنا ناطريكن.. كل مين صف صواني... صار حلواني!! أو قال سكر.. حلي تمو!! جلاب العامودي سوبر ستار.. هيدا جلاب العامودي.. اشرب عصير.. واركب التاكسي واطلع ع "سير" (مصيف في الضنية)، واقعد عالحصير، وشوف الصحة كيف بتصير.. هيدا أطيب جلاب دقتو بحياتك.. بتبسط أمك.. بتقهر حماتك".

يساعد العامودي نجله بحف قوالب الثلج السميكة والقاسية، ليصب الثلج المتفتت فيها في كوب زجاج، يصب فوقه عصير الجلاب، ويتقنه ببعض حبات لوز وزبيب على وجهه، ليقدمه للزبون مرددا: "أهلا بهالطلة الحلوة".

يضفي العامودي على الأجواء الرمضانية نكهة خاصة بعباراته، وبمذاقٍ طيبٍ من الجلاب المصنع من دبس التمر، الذي ما إن يضيف إليه "البخورة"، حتى يصبح جلاباً، كما قال لـ"النهار". ثم يضيف إليه بعض منكهات خصوصاً ماء الورد وماء الزهر، رفيقي مختلف العصائر والحلويات الطرابلسية نظراً لتوافرها بكثرة في بساتين الليمون الطرابلسية.

يظل العامودي مردداً عباراته المحببة على القلوب التائقة للفرح، تقطعها بين الحين والحين نفخة لا بد منها من نرجيلته.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم