الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لماذا قد لا يرغب الكرملين كثيراً بمساعدة إيران؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

حين هدّدت إيران ببدء تخفيض التزامها بالاتّفاق النوويّ، قال الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إنّ "روسيا ليست فريق إطفائيّين". وأضاف: "لا يمكننا أن ننقذ كلّ شيء، خصوصاً حين لا يكون الأمر مرتبطاً بنا بالكامل". لكن في الوقت نفسه، اتّهم الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف واشنطن ب "استفزاز" إيران، مبدياً أسفه للقرارات التي تتّخذها الأخيرة. لكنّه برّرها بكونها "ردّاً على ضغط" الولايات المتّحدة.

فرص وتحوّلات

أشار المتحدّث باسم منظّمة الطاقة الذرّيّة الإيرانيّة بهروز كمالوندي إلى أنّ بلاده ومنذ الاثنين، رفعت إلى أربعة أضعاف إنتاجها من اليورانيوم المخصّب الذي كان يبلغ 3.67%. هذه الخطوة أكثر من رمزيّة. لكن ليس مؤكّداً كونها أقلّ من خطوة جذريّة، حتى ولو أنّ إنتاج اليورانيوم المخصّب الجديد لن يلامس 15% بعدما بلغ 20% قبيل التوصّل إلى الاتّفاق النوويّ. بذلك، وضعت إيران حلفاءها الأوروبّيّين والروس أوّلاً تحت الضغط للعمل على إيجاد آليّة للتخفيف من العقوبات ومن حظر الصادرات النفطيّة.

بالنسبة إلى روسيا، لا تبدو الخيارات المتاحة أمامها بالغة التنوّع. فهي على الأرجح لن تستسيغ الضغوط الإيرانيّة عليها، لكنّها بالمقابل تعلم أنّ التوتّر الأميركيّ-الإيرانيّ قد يخلق لها بعض الفرص. تتعزّز تلك الفرضيّة وسط تغيّرات إيرانيّة داخليّة في النظرة الاستراتيجيّة إلى روسيا، بحسب قراءة البعض.

كتب علي رضا نوري في موقع "ألمونيتور" الأميركيّ عن الاختلاف الذي ساد طرفي الصراع السياسيّ في إيران حيث احتفظ المتشدّدون والعسكر بنظرة إيجابيّة إلى العلاقة مع روسيا داعين إلى توطيد العلاقة معها على المستوى الاستراتيجيّ، بينما كانت نظرة الإصلاحيّين أكثر تشكيكاً. لكنّ قول وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمّد جواد ظريف خلال آخر جولة ديبلوماسيّة افتتحها بزيارة روسيا، إنّ بلاده لن تنسى دعم موسكو وإنّ العلاقات الثنائيّة لم تكن وثيقة في السابق كما هي اليوم، هو مؤشّر إلى أنّ "الضغط الأميركيّ خلق توافقاً أكبر" في إيران على التواصل مع روسيا، بحسب تعبيره.


تعاون في الصادرات النفطيّة؟

هذا التطوّر الداخليّ يناسب الكرملين ويقدّم له نفوذاً أكبر إزاء إيران. لكنّ طهران إذ تتطلّع إلى رفع القيود عن صادراتها النفطيّة قدر الإمكان، لن تجد في روسيا شريكاً فعّالاً في هذا الإطار، بما أنّ الأخيرة تعتمد على تصدير النفط كمحرّك أساسيّ لنموّ اقتصادها. والأهمّ من ذلك، أنّ النفط يشكّل مصدر تنافس بين الطرفين خصوصاً في أوروبا، كما شرح الصحافيّ دان غلايزبروك في موقع "ميدل إيست آي". كانت أوروبا تبحث عن بديل للنفط الروسيّ في الأسواق الإيرانيّة، لكن مع فرض العقوبات على طهران، ضمنت روسيا نفسها كمصدّر أساسيّ للأوروبّيّين.

من جهة ثانية، وحتى مع الارتفاع المضبوط في أسعار النفط العالميّة بسبب العقوبات وأيضاً بسبب إنهاء الإعفاءات لثماني دول، ستكون روسيا أوّل المستفيدين من ارتفاع الأسعار. في الواقع، إنّ كلّ دولار إضافيّ في سعر برميل النفط العالميّ يضيف 4 مليارات دولار إلى الاقتصاد الروسيّ سنويّاً. وحقّقت روسيا العام الماضي فائضاً في موازنتها قارب 3% من إنتاجها المحلّيّ الإجماليّ، وهو رقم يتحقّق للمرّة الأولى منذ سنة 2011. ويؤدّي هذا الأداء من جهة ثالثة إلى التخفيف من تداعيات العقوبات الغربيّة على روسيا نفسها. لكلّ هذه الأسباب، رأى الكاتب السياسيّ دايفد أندلمان في شبكة "سي أن أن" أنّ موسكو هي "الفائز الأكبر" من سياسة ترامب الإيرانيّة.


رسالة روسيّة "حازمة"

بحسب هذه المؤشّرات، لا حوافز روسيّة لمساعدة إيران على الالتفاف حول العقوبات النفطيّة. بل يمكن أن ترى موسكو خطوة ترامب هديّة ثمينة لاقتصادها. ومع ذلك، قد لا تكون طهران نفسها بعيدة من إدراك هذا الواقع. من هنا، أمكن فهم تهديد الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني في الثامن من الشهر الحاليّ بتخفيف التزامات بلاده بالاتّفاق النوويّ خلال فترة الستّين يوماً المقبلة. ومن ضمن سلسلة تهديدات شملت حتى الهجرة إلى أوروبا وانتشار آفة المخدّرات فيها، قال روحاني: "سنتخلّى عن الالتزام بنسبة تخصيب اليورانيوم بمقدار 3.67% كما سنعمل على تطوير وإعادة بناء مفاعل آراك كما كان مقرّراً قبل الاتّفاق". لكنّ محاولة إيران كسب نفوذ إزاء الدول التي لا تزال منضوية في الاتّفاق لا تُقارَب بطريقة إيجابيّة في الكرملين على الأرجح، بغضّ النظر عن لومه واشنطن في الإعلام.

نقلت مجلّة "فورين بوليسي" عن خبير روسيّ تصفه بأنّه معروف بمرجعيّته حول قضايا الاتّفاق النوويّ قوله إنّ نظرة الكرملين أكثر تعقيداً من خطاباتها المدافعة عن إيران. وبشرط عدم الكشف عن هويّته، تابع: "تملك إيران المعرفة النوويّة، ولم تكن موسكو قط شديدة التأكّد من أنّها لن تبني القنبلة النوويّة كما كرّرت إيران... إذا حصل هذا (محاولة إيران تطوير قوّتها النوويّة)، فستوجّه موسكو رسالة حازمة إلى إيران".


إذاً ما الذي يتبقّى أمام روسيا لتقديمه؟

ليس الشيء الكثير. على الأقلّ من جهة نظر رضا نوري وهو بروفسور مساعد في الدراسات الإقليميّة في جامعة شهيد بهشتي في طهران ومتخصص في العلاقات اليرانيّة-الروسيّة. لا نيّة أبداً أمام موسكو للدخول في صراع عسكريّ محتمل بين واشنطن وطهران، كما أنّها لن توسّع تعاونها العسكريّ معها قبل خريف 2020 بسبب القرار الأمميّ 2231. ما قد تقدّمه وفقاً لرأيه هو دعم سياسيّ في مجلس الأمن عبر استخدام حقّ النقض ضدّ قرار أميركيّ مناهض لإيران خصوصاً إذا كان الهدف منه إطاحة النظام وهو ما قد يضرّ مصلحة روسيا الإقليميّة. لكن لا يبدو إلى الآن أنّ ترامب في وارد تغيير النظام. لهذا يكتب رضا نوري: "إنّ وضع جميع البيض في السلّة الروسيّة لن يبدو بالتالي أكثر خيار عقلانيّة بالنسبة إلى إيران".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم