السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"صاح الله أكبر، ثمّ ذبح الكاهن على المذبح"... هل صدقتم؟ إليكم الحقيقة

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
"صاح الله أكبر، ثمّ ذبح الكاهن على المذبح"... هل صدقتم؟ إليكم الحقيقة
"صاح الله أكبر، ثمّ ذبح الكاهن على المذبح"... هل صدقتم؟ إليكم الحقيقة
A+ A-

"تحت صيحات الله اكبر، تمّ ذبح كاهن مكسيكي على المذبح". بضع كلمات شكّلت خبرا صادما تتناقله صفحات وحسابات ذات طابع مسيحي خصوصا. وقد ارفقته بمجموعة صور من موقع الجريمة، وفقا للزعم، وفي احداها يظهر "القاتل". ما صحة هذا الخبر؟ وما حقيقة هذه الصور المتناقلة؟ هل صحيح ان القاتل "صاح الله أكبر ثم ذبح الكاهن"؟

"النهار" دقّقت من أجلكم

النتيجة: ما يزعمه البوست ان المهاجم "صاح الله اكبر" لدى اعتدائه على الكاهن، زعم خاطىء، وفقا لما تبينه بيانات أدلت بها الكنيسة والنيابة العامة في المكسيك يومذاك. نعم، الجريمة وقعت، ودفع الأب ميغيل أنغيل ماتشورو حياته ثمنا لها. وفقا للمعلومات الرسمية، يعاني القاتل "اضطرابات نفسية". وفي سياق المقالة، مقاطع من مقابلة اجريت معه ويتكلم فيها على هلوسات ومخدرات وممارسته السحر، وعن "حلم الهي لقتل البابا".

الوقائع: قبل نحو ايام عدة، تكثّف التشارك في البوست والصور. "من ثمارهم تعرفونهم. تحت صيحات الله اكبر، تمّ ذبح كاهن مكسيكي على المذبح المقدس. الصور تتحدث! عندما يصبح مقدم الذبيحة هو نفسه الذبيحة"، وفقا للشرح المرفق بمجموعة صور. ابتداء من 18 ايار 2019، بدأ نشر البوست مع الصور على صفحات وحسابات لبنانية وعربية ذات طابع مسيحي خصوصا. والتعليقات والمشاركات على قدم وساق.

التدقيق:

-بحثاً على الانترنت، يتبيّن ان البوست قديم، اذ سبق ان نُشِر هو ذاته قبل عامين، ابتداء من 18 ايار 2017 على الاقل، مرفقاً بالصور ذاتها.

-نتوجه الى المكسيك. نعم، الجريمة وقعت في 15 ايار 2017. المكان: كاتدرائية مدينة مكسيكو سيتي. في التفاصيل، كما توردها مواقع اخبارية اجنبية عالمية، ان الأب ميغيل أنغيل ماتشورو Father Miguel Angel Machorro تعرض للطعن بواسطة سكين، "في عنقه"، قرابة الساعة 18,45 مساء الاثنين 15 ايار 2017، في نهاية القداس في الكاتدرائية (Catholic News Agency)، امام عشرات المؤمنين الذين كانوا في المكان.

وذكر شهور عيان ان المهاجم "كانت نيته ذبح الكاهن". وقد نقل الأب ماتشورو (55 عاما) الى المستشفى في "حال حرجة"، على ما ذكر المتحدث باسم ابرشية مكسيكو سيتي.

في مقابلة إذاعية صباح الثلثاء 16 ايار، قدم المتحدث باسم الأبرشية هوغو فالديومار بعض التفاصيل عن الهجوم. وقال: "بعد الاحتفال بالقداس على المذبح، نزل الأب ميغيل (في اتجاه المقاعد التي يجلس عليها المؤمنون) ليبارك المصلين بالماء المقدس. وعندما كان يعود صوب المذبح، أوقفه الرجل، وحاول أن يشق حنجرته". "أمسك برقبته، وحاول ان يذبحها".

 وافاد ان الأب ميغيل "تعرض لجروح خطيرة في منطقة الوريد الوداجي والرئة، وكان ينزف بغزارة". "كدنا ان نفقده هناك" (اي في الكاتدرائية).

-ماذا عن المهاجم؟ وفقا لتقارير اعلامية يومذاك، تم القبض عليه في الموقع. وقد عرّف بداية عن نفسه بأنه "مواطن فرنسي، ثم قال إنه فنان من اميركا الشمالية" (وكالة "فرانس برس")، في وقت حدّدت اولا السلطات المكسيكية أنه "يدعى جون رينيه روك شيلد، John René Rock Schild".

في اليوم التالي للهجوم، اعلنت النيابة العامة المكسيكية ان الرجل يعاني "اضطرابات نفسية"، وفقا لما نقل موقع "Le Parisien" الفرنسي. وافادت انه خضع لفحص في مستشفى للأمراض النفسية. وتبين انه "يعاني اضطرابا عقليا يُطلق عليه اسم الاضطراب الذهاني".

وفي وقت واصل المدعي العام المكسيكي البحث عن الهوية الحقيقية للمهاجم، قال المتحدث باسم الأبرشية هوغو فالديومار إن "الرجل أظهر برودة شديدة، وقال إنه ليس مسلما، ولا ينتمي إلى أي حركة إسلامية". وذكر أنه "عندما تم القبض عليه، احتفظ بحقه بالصمت. وهذا يعني، على ما يسعنا قوله، أنه ليس مجنونا أيضًا".

-في الساعات التالية، اظهرت التحقيقات الهوية الحقيقية للمهاجم. فهو ليس اميركيا، ولا فرنسيا، ولا يدعى جون رينيه روك شيلد، كما زعم اولا. بل هو مكسيكي، واسمه الحقيقي خوان رينيه سيلفا مارتينيز Juan René Silva Martínez، العمر 28 عاما. ووفقا لما تورده مجلة Vida Nueva الاسبانية الدينية، فإن تحقيقات النيابة العامة المكسيكية قادت الى ان سيلفا مارتينيز "ولد في مدينة ماتيهوالا في ولاية سان لويز بوتوزي، المكسيك" (19 ايار 2017).

يومذاك، ابدى الاعلام المكسيكي اهتماما بشخصه، لا سيما بالوشوم التي نقشها على صدره. وقد برز وشم محدد يرمز الى لعبة الفيديو الخيالية Assassin’s Creed (اساسنز كريد)، والتي اظهرت "صفحة المهاجم في الفايسبوك انه كان من هواتها". في النظريات التي بحث فيها المحققون المكسيكيون ان "سيلفا مارتينيز كان مهووسا بهذه اللعبة. ونظرا الى الاضطراب الذهاني الذي يعانيه، فقد القدرة على التمييز بين الواقع والخيال"، فارتكب ما ارتكبه في 15 ايار 2017. وما يعزز هذه النظرية هو ما ادلى له، وفقا لمكتب المدعي العام، عند توقيفه في الكاتدرائية، "ان لديه 3 ايام لتنفيذ الامر".

في فيديو سُجِّل له خلال توقيفه، قال المهاجم انه سيفصح عن سبب اعتدائه على الكاهن في الوقت المناسب، طالبا التكلم الى رئيس الجمهورية المكسيكي، وملك اسبانيا، وايضا البابا فرنسيس. وفقا لصفحته في "الفايسبوك"، يقول سيلفا مارتينيز انه "درس التصميم الحضري في جامعة سان لويز بوتوزي، والموسيقى في مركز هرمس للتعليم الموسيقي".

-في 18 ايار 2017، بعد 3 ايام على الاعتداء، مثل الجاني امام القاضي في جلسة اولى، وفقا لموقع Eluniversal المكسيكي. وقد اعتبر القاضي ان توقيفه قانوني، وامر بنقله الى مركز التأهيل النفسي للرجال، وكانت هناك ادلة كافية لاعتباره فاقد الاهلية.

في غضون ذلك، اعلنت ابرشية مكسيكو سيتي ان الحال الصحية للاب ماتشورو تدهورت، وانه يعاني "تلفا دماغيا كبيرا". بعد نحو شهر، اعلنت الابرشية نقله من وحدة العناية الفائقة الى وحدة الرعاية في مستشفى أنجلوس موسيل في مكسيكو سيتي (20 حزيران 2017). لكن عملية النقل هذه "لا تعني انه تم حل مشاكله الصحية. "أمامه طريق طويل في مجال إعادة التأهيل العصبي والرئوي"، على ما ذكر عاملون صحيون في المستشفى.

في حقيقة الامر، وضع الاب ماتشورو لم يكن جيدا. في 3 آب 2017، اعلنت الابرشية وفاته، "بعدما دخل حالة موت دماغي في 2 آب".

-بعد اقل من سنة، نشر موقع Tribuna المكسيكي مقابلة مع قاتل الكاهن سيلفا مارتينيز (17 تموز 2018)، بعنوان: "قاتل (كاهن) كاتدرائية متروبوليتان يكشف عن حلم إلهي لقتل البابا". ويخبر الرجل من مركز التأهيل النفسي الاجتماعي، حيث هو محتجز، انه كان تناول "الكثير من المخدرات" و"المواد المهلوسة" يوم الاعتداء على الكاهن، و"كنت غاضبا". ويتكلم على تلك الاصوات التي سمعها في رأسه، وعلى ممارسته السحر، وايضا هوسه بلعبة الفيديو "اساسنز كريد".

ويقول: "نظرت في عينيه (اي الكاهن) وطعنته 3 مرات، رغم ان احد الاصوات في رأسي طلب مني الا افعل ذلك. كنت في حالة من النشوة المفرطة بسبب المواد التي تناولتها". وهنا بعض ما جاء في المقابلة:

*ولكن لماذا الكاهن؟

-لأنهم وضعوه (هناك).

*من؟

-الناس الذين هم في السلطة. لقد نسيت الامر حتى أتيت إلى هذا المكان وبدأت اتذكره. إنهم مسؤولون ويقولون كل هذا. وان يقولوا هذا أمام الكاميرات يعني أنهم سيذهبون وسيوجهون مسدسا الى (رأس) والدتي ويقتلونها.

*لكن لماذا؟

- إنه سؤال لا إجابة لدي عليه. كانوا يطالبونني (بأن انفذ الامر) على أكمل وجه.

*ولكن لماذا؟

-للرياضة.

*هل استمتعت بها؟

-لا اريد التحدث عن هذا...

-بالنسبة الى الصور المرفقة بالبوست المتناقل، انها الصور ذاتها التي نشرت يومذاك عن الجريمة. وقد نشرتها مواقع اخبارية عالمية عدة. ويمكن ايجاد بعضها هنا، اضافة الى مقاطع فيديو للقاتل نشرت على "تويتر".

-ملاحظة مهمة. ما يجب معرفته عن المكسيك هو "انها أخطر بلد في أميركا اللاتينية على حياة الكهنة"، وفقًا للمركز الكاثوليكي المتعدد الوسائط في المكسيك Catholic Multimedia Center، برئاسة الكاهن اومار سوتيلو الذي وثّق، مع فريق عمله، الهجمات ضد الكهنة والمبشرين وأماكن العبادة في البلاد.

وفقًا لتحقيق اجراه، "شكل آخر عام 2018 أحدى أخطر المراحل على الكهنة في البلاد. وقد ادت الاعتداءات المرتكبة ضدهم الى انهاء حياة 26 منهم بطريقة عنيفة (مقالة نشرها المركز، 25 آذار 2019).

في المكسيك، "ما يمثله الكاهن يتجاوز الاعتداء، لأنه يرمز الى احترام كل ما يتعلق بالله... عندما يقتل الكاهن من دون رحمة وبدون ندم، يصبح المجتمع ضعيفًا ومضطربًا"، على قول الأب سوتيلو. ورأى ان "ثقافة الرعب والموت والفساد، كما هي الحال في أجزاء مختلفة من البلاد، يمكن أن تتشابك في هذا المجتمع المزعزع الغير مستقر".

المركز يوثق على موقعه الاكلتروني العنف الذي يتعرض له الكهنة في المكسيك، والذي يؤدي الى مقتل العديد منهم.

-شرح اضافي من المكسيك. يقول جيراردو كروز غونداليز Gerardo Cruz Gonzalez، وهو محقق من المعهد المكسيكي للعقيدة الاجتماعية للكنيسة، في مقابلة اجراها معه موقع National Catholic Register ان "العنف في المكسيك خارج عن السيطرة، مما يؤدي إلى اختفاء آلاف الناس واغتيال آلاف آخرين". ويوضح أن "الشباب والمراهقين هم الضحايا الأكثر شيوعًا له. وعلى غرار الفئات الاجتماعية الأخرى، تأثر الكهنة بدورهم" (22 ايار 2018). 

وفقا له، يُفهم مقتل الكهنة في شكل أفضل في ضوء هذه "الحرب" التي تعانيها الأمة- ليس الحرب ضد تهريب المخدرات فحسب، انما ايضا الحرب عمومًا. و"غالبا ما يقع الذنب على الجريمة المنظمة، ولكن  على الحكومة نفسها في كثير من الأحيان".

النتيجة: ما يزعمه البوست ان الرجل "صاح الله اكبر" لدى اعتدائه على الكاهن، زعم خاطىء، وفقا لما تبينه مراجعة تقارير ادلت بها الكنيسة والنيابة العامة في المكسيك يومذاك. وفقا للمعلومات الرسمية، يعاني القاتل "اضطرابات نفسية". كذلك، تعتبر المكسيك "أخطر بلد في أميركا اللاتينية على حياة الكهنة"، بسبب "ثقافة العنف والموت والفساد" السائدة فيها.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم