الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

أحمد مراد في ميزان الحوار والنقد: دور الأدب كشف المستور

المصدر: "النهار"
شربل أبي منصور
أحمد مراد في ميزان الحوار والنقد: دور الأدب كشف المستور
أحمد مراد في ميزان الحوار والنقد: دور الأدب كشف المستور
A+ A-

لا يعنينا في هذا المقال – الحوار عن الروائي المصري الشاب #أحمد_مراد الجدل المُثار حوله في نواحٍ عدة (جدّية أدبه وتماسك حبكته وبناء نصه وأصالة لغة رواياته وموضوعاتها...إلخ.)، لكون هذا الأمر يتطلّب دراسة علمية أكاديمية منهجية معمّقة، والوقتُ كفيلٌ بتظهير صورته روائياً ناجحاً من عدمه وبإنصاف أعماله.

وقبل أن نستعرض فحوى مقابلتنا مع مراد صاحب الروايات الست "فيرتيجو" (2007)، "تراب ألماس" (2010)، "الفيل الأزرق" (2012) (فائزة بالبوكر العربية 2014)، 1919 (2014)، "إله الأرض" (2016)، "صيد الغزلان" (2018)، لا بدّ من بعض الملاحظات البسيطة السريعة التي نراها اضطلعت برسم شخصية مراد الروائية وطبعت ملامحها وساهمت في اختيار موضوعات رواياته وثيماتها.

كل روائي ينطلق في كتابة رواياته من تجربة حياتية خاصة، بحثاً عن دعائم ومرتكزات، تشكّل النواة الأولية لقصصه. وهذا ما رأيناه عند مراد في روايته الأولى "فيرتيجو" التي تدور حول مصور أفراح (مراد كان من أحد مصوري الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك وهو خريج المعهد العالي للسينما) تقوده المصادفة إلى أن يكون شاهداً على معركة دموية بين كبار رجال الأعمال في ملهى ليلي. الانطلاقة، إذاً، كانت من حياة معيشة شكّلت المادّة الأوليّة أو البذرة لبناء روايته المُتخيَّلة، بحيث إن التخييل، هنا، قد يكون أولاً تعبيراً عما لم يتحقق في الحياة، وثانياً، سبيلاً لممارسة الحرية والاحتجاج على من يريدون إلغاءها.

ولا مناص لنا، هنا، إلا الحديث عن اختصاص مراد العلمي ودراسته للغرافيك والإخراج واطّلاعه المعمّق على السينما، ولا سيما الغربية منها، في تكوين شخصيته الروائية واختيار موضوعاته سواء تلك التي تعتمد على التشويق والجريمة أو الخيال العلمي وكذا التي تتطرّق إلى قضايا "محرّمة" ومثار جدل مثل الجنس والدين. وهنا استطاع مراد بنظرة فاحصة تبيّن النقص الحاصل في الرواية العربية وحاجة القارئ العربي الساعي إلى الهروب من واقعه الاجتماعي والسياسي.

حاولنا، في هذه العُجالة من الكلمات، أن نتحدث عن عوامل أسهمت في تكوين كتابات مراد والتي ما هي إلا بذرة أو فكرة قابلة للنمو والتحوّل إلى شجرة مثمرة. ولا يمكننا، هنا، التغافل، على رغم أهمية النقد، عن التشكّل البنيوي والغائية النهائية لكل إنسان، والتي ترسم معالم دربه ووجوده.

وهذا نص الحوار الذي كنّا أجريناه معه على هامش #معرض_الشارقة_للكتاب:

*يمكن القول إنّ الاتجاه الذي اتّخذته "صيد الغزلان" يشكّل منعطفاً مغايراً في مسيرتك الروائية. فلنبدأ من هنا. طالت الرواية انتقادات لكون بطلها نديم أستاذ علم النفس التطوّري هو رجل ملحد، وطرحت من خلالها أسئلة تتعلق بالعلم والدين، هل تعمّدت ذلك لرسالة معيّنة أم مجاراة لمبدأ "خالف تُعرف"، وهو ما يضمن لك جماهيرية وشهرة رغم حملات النقد، وفق ما قد يقول البعض؟

- "صيد الغزلان" تسعى إلى تحدي الأفكار الراسخة والمتوارثة ونقدها وتشريحها في دواخلنا، إذاً، هي عملية اختبار. لا بدّ لنا من نقد ذاتي دائم نعيد فيه تقييم كل مفاهيمنا وتطويرها تفادياً للتحجّر الفكري وتكيّفاً مع الحاضر.

*تتناول في الرواية أيضاً إشكالية الجنس، ففي عقل بطلك نديم تدور مونولوغات من دون خجل. لماذا ما زالت المشهديات الحميمية تابواً في بعض الأدب العربي، وهل تتعمّد كسر الخطوط الحمر؟

- ما زال الحديث عن الجنس في عالمنا العربي، ويا للأسف، "تابواً" على رغم أن نتائج دراسة أخيرة كشفت أن العرب هم من أكثر الشعوب بحثاً عن الجنس في محرّك البحث "غوغل". من الابتذال في مكانٍ ما ألا نتكلم على الجنس، وكأنّه لوثةٌ ما أو عارٌ، فيما أنه من طبيعة الكائنات الحيّة. برأيي، ثمّة تناقض عربي في هذا الإطار في ظلّ وجود مجتمع ذكوري بطريركي يعيش ازدواجية. في العلن نحظرها وفي الخفاء نبيحُ بها.

* أنت من جيل الروائيين الشباب الذين اتّخذوا لهم خطاً أدبياً يحاكي مسألة الجريمة السياسية. في "تراب ألماس"، مثلاً، تطرح قضية الفساد السياسي من خلال مقتل والد بطلك طه. هل الأدب هنا ذريعة لإسقاط الأقنعة ووضع الإصبع على الجرح؟

- الأدب منوط به نزع الأقنعة وتبيان ما وراءها. ففي "تراب ألماس"، مثلاً، اتضح أن كل الأبطال ليسوا كما يظهرون به إلى العلن بل كل واحد يضع قناعاً يخفي حقائق وشخصيات وحيوات مغايرة. دور الأدب أن يلج الأعماق، ويحرّك الراكد ويكشف المستور والمخبوء، سواء الواعي منه أو اللاواعي.

*دور الرواية تجميل الواقع بالخيال واللغة الأدبية أم إظهاره على حقيقته طافحاً بالعيوب والأسى؟

- دور الرواية أولاً إيصال المتعة إلى القارئ وإخراجه من حياته الرتيبة إلى حياة أكثر إثارة وتشويقاً وخيالاً. أهمية الرواية في قدرتها على نقل القارئ إلى عالم آخر، إلى عالمها، ليتنقل، زمانياً ومكانياً، مع أحداثها وشخوصها.

* رواياتك تحقّق انتشاراً جماهيرياً كبيراً، حدّ أنّك تُتّهم بالتجارة في الكتابة. مقياس نجاح العمل الأدبي انتشاره جماهيرياً وأرقام المبيعات التي يحقّقها؟ وهل يعني ذلك أنّ كلّ عمل لم ينل حظّ الانتشار مصيره الفشل بمفهوم أم بآخر؟

- إن انتشار العمل الأدبي وأرقام المبيعات ليسا مؤشرين على أهمية الرواية وقيمتها، والعكس صحيح. ثمة خلطة للنجاح إذا اكتملت أركانها: مخاطبة كل الثقافات، الإقبال الجماهيري عليها، عيشها سنوات طويلة من صدورها وتقديمها مع كل قراءة وتأليب للسطور لمعانٍ جديدة استشرافية.

أنا أركّز في كتاباتي أولاً على الإنسان الذي أسعى أن أقدّم له وجبة تروق له ولو كانت غير منتظرة ومتوقّعة، والجوائز التي نلتُها كانت مفاجأة لي وهي تتويجٌ لجهودي وتقديرٌ لما أُقدّم.

* تعنيك مسألة تسويق رواياتك واختيار عناوينها وشكل غلافها. في الماضي، كان القارئ يبحث عن الكاتب وينتظر كتاباته من دون حاجته إلى تسويقها. اليوم في زمن السوشيل ميديا، مَن يبحث عن مَن، الكاتب أم القارئ؟

- أشتغل بنفسي على الغلاف وأولي أهمية للعنوان، فالتسويق أساسي اليوم في ظل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. برأيي، كلاهما يبحث عن الآخر؛ فللقارئ اليوم قدرة أكبر على الوصول إلى الكتاب واختيار النوع الذي يفضله، كذلك أصبح للكاتب نجومية أكبر من ذي قبل وإمكان للتواصل أكثر مع القارئ رغم ما ينتج من ذلك من إرهاق وتخصيص مزيد من الوقت.

* بالعودة إلى "صيد الغزلان"، تقول إنك مررت ببعض ما مرّ به نديم. كيف عشت صراع الشكّ والإيمان؟ هل هو صراع مُعذّب أم مجرّد مشاعر تحرّض أدبياً على الكتابة؟

- اختبرت تجربة الملاذ التي عاشها نديم بطل "صيد الغزلان" لتأتي كتابتي أصدق توصيفاً للحالة ومطابقةً. وبرأيي، إن مرحلة الشك هي قمة السرد. فالإنسان الذي يتوقف عن الشك والمساءلة والبحث هو شخص توقف عن التطور وصار في مرحلة ركود وجمود. الثابت عندي هو القيم والمشاعر الإنسانية، وكل شيء آخر من مفاهيم وأدوات قابل للتبدّل والتغير.

* وهل تكتب بنيّة الأفلمة، وترى أنّ بقاء الرواية ضمن جنسها الأدبي وعدم تحوّلها فيلماً يُنقص من قيمتها؟

- لا أكتب للأفلمة إطلاقاً، وفي روايتي "إله الأرض" أتحدث عن النبي موسى ولا أعتقد أن لدى السينما العربية حالياً القدرة على إنتاج أفلام كهذه. وعدم تحوّل الرواية إلى فيلم بالتأكيد لا ينتقص من قيمتها، فلو كنت سأكتب بنية الأفلمة لن يخرج العمل الروائي بالجودة عينها، إذ عندذاك سأتقيد بالإنتاج وسأكتب بـ "فلوس" المنتج، وهذا سيحد كثيراً من قيمة العمل فنياً ومضموناً.

* بعد سنّ الأربعين، وبعد ستّ روايات، علامَ تندم؟

- لا أندم على شيء، بل على العكس، أتعلم يومياً من أخطائي، وما لا يقتلني يجعلني أستمر. فكل خطأ هو كالحجارة المرصوفة في النهر تساعدني في العبور والوصول إلى الضفة الأخرى.

اقرأ أيضاً: "دمى فاجرة" لشربل داغر: أن أكون في لحظة الشعر مثل الأبد

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم