السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لعن الله الآيفون والتواصل الاجتماعي

المصدر: "النهار"
نديم قطيش - إعلامي
لعن الله الآيفون والتواصل الاجتماعي
لعن الله الآيفون والتواصل الاجتماعي
A+ A-

موجة هائلة من التأييد والشجب، أثارها تعليقٌ لي في مقابلة تلفزيونية، اعتبرتُ فيها أن مواجهات غزّة الأخيرة استجرّتها عملية لحركة الجهاد الاسلامي، خارج أي سياق فلسطيني، ولأهداف إيرانية بحتة.

الموقف هذا، احتفلت به مواقع إسرائيلية وصلت إلى "إيباك"، اللوبي اليهودي الأبرز في #واشنطن، كما لو أنني بتّ البديل عن مشروع السلام والتطبيع وبيع فلسطين، وإقفال أزمة الشرق الأوسط إلى الأبد. ومَن أزعجهم الموقف، طالبوا بإسقاط الجنسية اللبنانية عني، وتبرّعَ بعضهم "مشكوراً" بترشيحي لكتابة مقال في كبريات الصحف الاسرائيلية، أو احتلال مقعد في الكنيست.

مع اعترافي بحدّة موقفي المذكور، إلّا أن العلّة، على الأرجح، ليست في ما ذكرت بل في هذا الانفجار العاطفي والشعوري الذي اسمه السوشيل ميديا، حيث "ميتابوليزم" استهلاك الأخبار، شديد الارتفاع، وحيث تهيمن المشاعر على لعبة "الترندنغ"، فتبحث هذه المؤسسة أو تلك عمّا هو مثير وخارج المألوف.

ولكن مَن قال إن مثل هذا الموقف يقع خارج المألوف؟!

في الذاكرة القريبة، قال رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، عشية عملية أسر جنديين إسرائيليين عام 2006، إن حكومته "ليست مسؤولة، ولم تقرّ عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين". لكن لحسن حظه أن حرب تموز سبقت ظهور الآيفون المولود عام 2007.

أما في الذاكرة الأبعد، في نيسان 2001، بعد نحو سنة من انسحاب إسرائيل من جنوب #لبنان، نفّذ حزب الله عملية في منطقة مزارع شبعا، أثارت الكثير من السجال السياسي غير المسبوق في لبنان. والسجال مردّه أن الحريري وبكلماته المباشرة لمحرّري صحيفته "المستقبل" نصّ عليهم مانشيت اليوم التالي الذي جاء على النحو الآتي:

"مزارع شبعا: عملية التوقيت الخاطئ".

أما متن الخبر فطرحَ أسئلة حارّة عن خلفيات العملية وتوقيتها وحساباتها الداخلية والخارجية، وتبعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وسألت الصحيفة عما إذا كان للعملية ”مقومات الإجماع الوطني".

بقي السجال سياسياً فقط ولم يتحوّل إلى مادة جماهيرية شعبوية على مواقع التواصل التي كانت يومها أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع اليومي.

في الأبعد الأبعد تحضرني مسرحية "أيام الخيام" وحواراتها الذكية بين أعيان قرية الخيام الجنوبية وضابط "فتح". يطلب الأعيان من الضابط الفلسطيني أن يقصف قريتهم بدل قصفه إسرائيل، إذ إن القصف الثاني يرتدّ عليهم وحشية إسرائيلية مكلفة، في حين أن في قدرتهم احتمال بضعة قذائف من "فتح" تعطي المقاومة الفلسطينية ماء الوجه، ولا تجلب الويل على أبناء الجنوب!

لا جديد في الموقف الذي أثار العاصفة. فالمقاومة لم تكن في يوم من الأيام قيمة بحد ذاتها. قيمتها ستظلّ في ما تنتجه وتؤدّي إليه. كان هذا هو المعيار وسيبقى. أما لمحترفي اختراع المقدّسات، فأقول: لعن الله الآيفون وتطبيقاته التواصلية!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم