الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

"حواس زهرة نائمة" لسامية غشير: سرديّة رصد واقع اضطهاد الأنثوي

المصدر: "النهار"
أحمد الشيخاوي
"حواس زهرة نائمة" لسامية غشير: سرديّة رصد واقع اضطهاد الأنثوي
"حواس زهرة نائمة" لسامية غشير: سرديّة رصد واقع اضطهاد الأنثوي
A+ A-

في قصة "حواس زهرة نائمة" من هذه المجموعة قيد الدرس، والتي تَسِمها العتبة ذاتها، تدفع بطلة القصة "نضال" ضريبة العقم الذي لا ذنب لها فيه، كون زوجها العربيد السكّير عمر هو من حرمها نعمة الأمومة لسنوات عاشتها هي على أعصابها وتجرّعت الوجع والقهر الذكوري أصنافاً منغّصة.

تقول صاحبة المجموعة، الدكتور سامية غشير: {أنا "نضال"، حياتي أشبه بالحطام، زهرة عمري اليانعة قُطفت في سجن الزواج، كنت شابة يافعة مليئة بالرغبات والشغف، حلمي أن أكون امرأة مهمّة في مجتمعي، درست بجدّ وكدّ إلى أن نلت شهادتي، تقدّم لي بعدها أحدهم للزواج، كنت سعيدة جداً لأن ذلك الرجل كان مَطمعاً للكثير من الفتيات، تزوجت وكلّي أمل في أن أعيش ترف الهناءات، وأنشر متاع غواياتي الأنثوية، وأخيط من وهج فرحي أعشاشا من ياسمين زهر البهجة، لكن حياتي كانت أشبه بطقوس مأثم الوجع، سلب مني زوجي بهيجَ الأمنيات، تركني على أرصفة القهر، أعزف أوتار عطر تنهيداتي الصمّاء، لا أحد كان يسمع بكائي الذي افترس شغاف عيوني التي شاخت قبل أن تعبر شرفات العمر}(1).

سيفكّ شفرة مثل هذا التابو، طلاقُها والحياة الثانية تحت سقف "جمال"، في عشّ دافئ جاد بالفلذة "هبة الرحمن" حدّاً منح الأمّ بعض الخلاص من ذاكرة الوجع المنرسم لتجربة زواج أولى فاشلة، بيد أن هذه التجربة الثانية والتي جاءت بعد تردد كبير وخوف من الفشل مجدداً، تلطّخت أيضاً بمشهد الفجائعية، بحيث حصد عمل إرهابي العديد من الأرواح البريئة، وكان من بينها "جمال" أو هذا الأمل الجديد الذي استطاع تغيير حياة "نضال" إلى الأفضل نوعاً ما، وإن لوقت قصير جداً.

مثلما في نصّ "موعد الحب مع المطر" والتي يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل، إستغراقاً لثقافة البديل في كل الأشياء، والتجربة الثانية القادرة على منح الخلاص، وتضميد الوجع الإنساني في أبشع تجلياته وهو يمارس سوطه على الأنثوي، كاشتراط لتلوين الوجود، وجود النوعين بتفاصيله.

تقول القاصّة: [غمرت "لؤي" فرحة هستيرية، ثم تكلّم، يا فاتنة المطر أتمنحينني بعضاً من السحر حتى أنعش حياتي المشتعلة بحرائق الخيبات؟

فقالت له: لقد كرهت المطر لأنه أخذ مني بهجة روحي حبيبي "أيهم" في يوم ماطر، كنا هنا نزرع زهر وصالنا النديّة، لكن المطر أخذه مني، إنني أشتهي ضحكته المخملية، براءته التي تتفجّر على مآقي عيوني فرحاً يُشبه الشذى، أشتاق إلى حروف قلبه التي تتورّد حمرة ساكرة فأتوقّد مثل أفانين الضياء، أفتقده.](2).

تستعيض العاشقة المكلومة في إدانتها للمطر ونكايتها به، أي هذه البطلة "أروى" عن حبها الأول "أيهم" بهذا الفارس الذي سوف يلقّنها أبجديات مغايرة عن المطر وشعريته، لؤي، مع نهاية سعيدة سوف تذيّل مشوار مكابدات المغامرة العاشقة هذه، وفق نوتة وجدانية حالمة بالأشهى والأجمل والأفضل.

أو كما في قصة "همس الحرير" الذي تحاول الذات الساردة، عبره، إثارة مجموعة أو منظومة من المفاهيم اللصيقة بقيمتَي الأرض والانتماء، وهلمّ جراً، مع نصوص ثرية بعناوينها ومضامينها المنتصر لإنسانية الكائن في وجعه الكوني، ونضالاته الحياتية المريرة، وهو يواجه آلات القمع المختلفة، ويعيش مأساته في صمت رهيب.

تضمّنت المجموعة القصصية هذه، الواقعة في 128صفحة من القطع المتوسط، في صدور طبعتها الأولى 2018، عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع، 14 قصة في مزاوجة بديعة ما بين المكوّن الشعري والسردي، مفجّرة العديد من القضايا والأوبئة الاجتماعية التي يتخبط فيها عالم التقنية، وألفية الجنون التي أفرزت جملة من ظواهر السلبية والنقص، يأتي على رأس قائمتها التطرّف الفكري والديني، وهو يعمّق من اختلالات الكائن والكون على حدّ سواء.

تنوّع في المفردات ما بين الهمّ الشخصي والجمعي، بالاتكاء على خطاب تترعه الشعرية في معالجة إشكالات مجتمعية وسياسية واقتصادية وعاطفية شتّى، استهلالاً بتقديم الكاتب والناقد العراقي عامر الساعدي الذي نقتطف له من شهادته على منجز "حواس زهرة نائمة" والمعنونة "بين روحية اللغة والسرد القصصي" هذه الالتماعة التالية:[العتبة الأولى الغلاف تبدأ من "العنوان" لتكون متصلة بالكتاب، وأهم ما فيها الدهشة، أي أن العنوان يعدّ مفتاح الولوج إلى أي نصّ أدبي، يختزل جملة الدلالات الظاهرية والرمزية التي يكتنفها النص.

كذلك القصة تحتاج استعارة للبناء وسبكها بصورة جميلة لتعطي روحية القصة، فالقصة إذاً حكاية، والحكاية تتطلب سماعاً لنهايتها، كذلك القصة تصوير، أي التصوير الداخلي فيها وتماسك اللغة، نعود فنقول: القصة سردٌ شريطةَ أن تكون متصلة ببعضها البعض، وإن خرج أي موضوع منها صارت باهتة بدون معنى، وهنا يمكن التأكيد أن القصة أصبحت خارجة عن نمط القصة المتعارف عليه.].

وفي موضع آخر، تقول على لسان إحدى شخصيات البطولة: [نسيم الشوق يعلو في سماوات أوردتي، يتمدد على تجاويف الصبا والأحلام الممزوجة بغبن النهايات التي تركت تفاصيلها هناك أمام محكمة تواريخنا المهرّبة إلى أزمنة القهر](3).

خطاب سردي يلوذ بمعجم حياتي صافٍ ومستعص كذلك، توجيهه إلى النخبة الذواقة فقط، تلغمه صيغ الاستعلاء القصصي وسياقات المبالغة، قدراً يفخّم مثل هذه الرسالة الطاعن بوجع المرأة العربية الكوني.

تلكم هي شعرية السرد في رصد واقع اضطهاد الأنثوي، تقتحم كواليس العتمة في الذات والحياة، وتناور بثقافة مختلفة تنتصر للورد الذابل في وجود وحضور المرأة العربية خصّيصاً.

هامش:

(1) نص: "حواس زهرة نائمة"، صفحة 15.

(2)نص: "موعد الحبّ مع المطر"، صفحة 30.

(3)نص: "حلم الفراشات"، صفحة 122.

*شاعر وناقد مغربي


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم