الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ما هكذا تعامل جامعة بلاد الأبجدية...

المصدر: "النهار"
صلاح ابو شقرا
ما هكذا تعامل جامعة بلاد الأبجدية...
ما هكذا تعامل جامعة بلاد الأبجدية...
A+ A-

يعاني أساتذة الجامعة اللبنانية وسائر موظفي القطاع العام سياسة تقشف تقضي بخفض التقديمات الاجتماعية ولا سيما التعليمية منها، فضلاً عن قضم رواتبهم بزيادة الضرائب والمحسومات التقاعدية. وما يخيف جميع هؤلاء وعائلاتهم هو الغموض الذي يلف مشروع موازنة 2019، والتسريبات التي تبث لجس نبض الناس، أو التي تهيئهم نفسياً لتقبل مصيرهم المحزن .

تعتمد سياسة التقشف في الدول التي تعاني أزمات اقتصادية خانقة، وهو ما ينطبق على لبنان في هذه المرحلة. وفي هذا المجال لا أدّعي الخبرة في علم الاقتصاد وإنما المشاهدة اليومية لما أنجز في البلاد قياساً إلى حجم المديونية، التي بلغت بحسب أحدث بيانات وزارة المال نحو 85 مليار دولار أميركي، وخدمة الدين التي ناهزت ثلاثة مليارات دولار سنويا، ليتبين في أحسن الأحوال أن ما أنجز لا يوازي تلك المديونية التي تساوي 157% من الناتج المحلي الإجمالي .

ولم يكف لبنان ذلك البلاء، ليسارع الحكام إلى الاستدانة مجدداً من خلال مؤتمر "سيدر" المنعقد في باريس لدعم الاقتصاد اللبناني. ولكن شروط المقرضين أتت قاسية على الشعب اللبناني الذي ما زادته تلك القروض إلا فقراً.  فدارت الدائرة على الموظفين وعلى حقوقهم في الاستشفاء و تعليم الأبناء ... و كان الأكثر تضرراً هو من علم الفقراء في جامعة الوطن، التي خرجت الأطباء والقضاة والمحامين والمهندسين والأساتذة وغيرهم من النخب اللبنانية التي أثبتت تفوقها محلياً وعالمياً في كل المجالات. كما خرجت جامعة الوطن بعض السياسيين في السلطتين التنفيذية والتشريعية وخارجهما. ولم يكافأ أساتذة الجامعة اللبنانية بالإحسان، بل تم استثناؤهم من تصحيح الرواتب الذي أقر سنة 2017، والذي استفاد منه كل العاملين في القطاع. وتطالعنا التسريبات التي لم ينفها المعنيون بزيادة نسبة ضريبة الدخل والمحسومات التقاعدية على الراتب، وخفض التقديمات الاجتماعية ومنها المنح التعليمية، من خلال خفض مساهمة الدولة في تمويل صندوق تعاضد إفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية بنسبة 15% كمرحلة اولى، واستكمال الخفض لكي تتساوى بتقديمات تعاونية موظفي الدولة. علماً أن التعليم في الجامعة اللبنانية يشترط الحصول على درجة الدكتوراه، والتي لا يقل عمر من يحصل عليها عن الثلاثين سنة، أي أن الأستاذ الجامعي يبدأ التعليم متأخراً بنحو عقد من الزمن عن سائر العاملين في القطاعات المختلفة. وهكذا فإن ذروة العدالة الاجتماعية تكمن في إنشاء شبكة أمان اجتماعي خاصة بهم. وفي السياق نفسه، فإن راتب الأستاذ الجامعي يراوح بين 3.75 و 8.5 ملايين ليرة لبنانية حدا أقصى، والذي لا يبلغه سوى قلة من الأساتذة الذين دخلوا التعليم الجامعي في مرحلة مبكرة. إن ذلك الراتب لا يقارن بأتعاب الأستاذ الجامعي، الذي لا يقتصر عمله على التعليم، بل يشمل إعداد المادة التعليمية وفق توصيفات محددة، والإشراف على الرسائل والأطاريح الجامعية، والمشاركة في لجان المناقشة، إضافة إلى التجديد المستمر لإمكاناته العلمية من خلال إعداد الأبحاث ونشرها في المجلات العلمية المحكّمة، وهو ما يعزز جودة التعليم في الجامعة اللبنانية، الذي ينعكس إيجاباً على طلابها .

أما بعد، فإن خفض قيمة العجز لن يتم إلا بتحسين الجباية، و إقفال "مزاريب" الهدر، وخفض فوائد المصارف التجارية المقرضة للدولة، واستعادة الأموال المنهوبة، وغيرها من الخطوات الإصلاحية، وليس من جيوب الموظفين والأساتذة. بل على العكس، يجب العودة إلى الرشد والالتفات إلى حاجات الجامعة اللبنانية وأهلها، والإسراع في استكمال ما بدأت به الحكومة السابقة لجهة إقرار زيادة ثلاث درجات على راتب الأستاذ الجامعي، والدرجتين الإستثنائيتين اللتين حرم منهما الأساتذة المتفرغون سنة 2014، وإعادة منح درجة لحيازة شهادة الدكتوراه لكل الذين حرموا منها من المتفرغين، إلى جانب إقرار إضافة خمس سنوات عند احتساب المعاش التقاعدي للجميع . و كذلك الإسراع بإقرار ملفي التفرغ للأساتذة المتعاقدين بالساعة ، لتعويض الشواغر بعد إحالة الأساتذة الذين بلغوا الرابعة والستين على التقاعد ، و إدخال المتفرغين إلى ملاك الجامعة ، الذي يغذي الخزينة عبر ضم الخدمات .

أخيراً، نسأل المعنيين بملف الجامعة اللبنانية ألا يسجل عليهم أن جامعة بلاد الأبجدية قد أعدمت في أيامهم؟.

 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم