الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل تقود الأزمة المالية المتفاقمة إلى فوضى بنّاءة أم هدّامة؟

د.أيمن عمر- باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية
هل تقود الأزمة المالية المتفاقمة إلى فوضى بنّاءة أم هدّامة؟
هل تقود الأزمة المالية المتفاقمة إلى فوضى بنّاءة أم هدّامة؟
A+ A-

منذ السنة الماضية ونحن نحذّر من خطورة الوضع المالي وتفاقم الدين العام وارتفاع نسبة العجز المالي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، مع تدني معدلات النمو الاقتصادي والتي تؤشر إلى أزمة حقيقية قد تهدد البنيان المجتمعي وتدفع به إلى الانهيار. فالدين العام تخطى عتبة الـ86 مليار دولار ووصلت نسبته إلى الناتج المحلي حوالي 160%، وهي مرشحة إلى أن تصل إلى 180% بحلول العام 2020 مع نسبة نمو اقتصادي في أقصى تقديراتها لم تتخطَّ نسبة الـ1%. ولكن من أبرز المؤشرات الاقتصادية الخطرة هو وصول العجز التجاري إلى 17 مليار دولار، ما يسبّب من زيادة الأعباء المالية على خزينة الدولة، وأيضاً من استنزاف لاحتياطي الدولار للحفاظ على ثبات سعر الليرة بسبب حاجة الدولة إلى الدولار وزيادة الطلب عليه من أجل تسديد مستحقاتها المالية.

ومن المؤشرات الخطرة والتي خالفت التوقعات في تقديرها هي نسبة العجز المالي إلى الناتج المحلي، حيث وصل إلى 11,5% بعد أن كان متوقعاً أن يصل إلى 10%. ومع أن الدلائل والمؤشرات جميعها كانت في السنة الماضية تشير إلى فداحة الوضعين الاقتصادي والمالي وإلى تجاوزهما الخطوط الحمراء بأشواط عديدة، إلا أن السلطة السياسية في البلاد لم تحرّك ساكناً منذ وقتها لوضع السياسات والاجراءات المناسبة لتفادي الكارثة الاقتصادية والمالية. لذلك فالإشكالية المطروحة الآن والتي تثير التساؤل والاستغراب: لماذا الآن استنفرت السلطة السياسية بقدّها وقديدها معلنة النفير العام بضرورة اتخاذ جميع الإجراءات التقشفية لمعالجة العجز المالي المتفاقم؟ وهل هذه الإجراءات كفيلة بانتشال الاقتصاد اللبناني والمالية العامة من الوقوع في الهاوية؟

وهنا لا بدّ من التطرق إلى مجموعة ملاحظات نبني عليها الإجابة على الإشكالية أعلاه، ومنها:

- في موازنة 2018: قُدرت النفقات العامة بـ 23900 مليار ليرة، والإيرادات العامة بـ 18668 مليار ليرة. في حين بلغت النفقات الفعلية حوالي 28000 مليار ليرة، والإيرادات المحقق منها حوالي 18000 مليار ليرة، أي بلغ العجز المالي حوالي 10000 مليار، ما يؤشر على سرقة أو إهدار للمال العام أو على سوء تقدير للموازنة من قبل السلطة السياسية مما يعني فشل السلطة السياسية في تحمل مسؤولياتها.

- لا شك أن مقررات "مؤتمر سيدر" والإصلاحات المالية وإعادة هيكلة القطاع العام ومكافحة الفساد المطلوبة لتنفيذ هذه المقررات -والتي قد توفر حوالي 11,6 مليار $ بحسب تقديرات السلطة السياسية- ما يسهم في تحريك الماكينة الاقتصادية وإعادة الانتظام إلى الاقتصاد اللبناني، قد لعبت دوراً أساسياً في كل ما يجري الآن من مقترحات حول موازنة العام 2019. فمن شروط الدول المانحة في مؤتمر سيدر تخفيض العجز المالي 1% سنوياً لمدة 5 سنوات ولكن على أساس أن نسبة العجز المالي المتوقعة هي 9%. ولكن ما أربك هذه السلطة وجعلها تتخبط خبط عشواء في اقتراح إجراءاتها المالية هو وصول نسبة العجز إلى 11,5% كما ذكرتُ آنفاً.

- لا يمكن فصل ما يجري على الساحة الدولية والإقليمية من صراع سياسي وإعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة وتشكيلها مع موازين قوى جديدة كسرت الآحادية القطبية الاميركية ودخول العنصر الروسي – الإيراني والمواجهة الحادّة الاميركية – الإيرانية، عن انعكاساته على الواقع اللبناني السياسي والاقتصادي. فالعقوبات الاقتصادية الاميركية على إيران وحزب الله لا تطال بشظاياها حزب الله وجمهوره فحسب إنما تطال جميع الفعاليات الاقتصادية والمالية دون استثناء. ناهيك وبسبب هذا الصراع عن توقف المنح والهبات السعودية والخليجية والتي كانت تاريخياً عاملاً مساعداً لدعم الاقتصاد اللبناني والمالية العامة عند اشتداد الأزمات.

- إن مسألة النازحين السوريين واستقرارهم في لبنان والخوف من هجرتهم من لبنان إلى أوروبا وما يمثل ذلك من هلع شديد ممّا يسمى بـ"الإسلاموفوبيا" و"أسلمة أوروبا" من أهم العوامل الضاغطة على الدولة في لبنان من قبل المجتمع الدولي. وبالتالي في تحويل مؤتمر سيدر إلى الواقع العملي.

أمام كل المعطيات أعلاه، تجد السلطة السياسية في لبنان نفسها ملتزمة باتخاذ كل ما يلزم لزيادة إيراداتها المالية وتخفيض نفقاتها العامة. وهي بالتالي أمام عدة خيارات: منها الرسوم المترتبة على الأملاك البحرية، إشراك المصارف الخاصة بتحمل جزء من هذا العجز، تخفيض بعض نفقاتها التشغيلية، زيادة الإيرادات المتأتية من مرفأ بيروت... الخ. ولكن جميع هذه الإجراءات مهما أمّنت لخزينة الدولة فإنها لن توفر لها إلّا الجزء اليسير وعلى المدى الطويل. لذلك فإن الحلّ الوحيد أمامها وهو سريع المفعول هو المسّ برواتب القطاع العام ومخصصاتها وتعويضاته ومنحه التعليمية. وهذا إن حدث فإنه ينذر بثورة شعبية عارمة على السلطة السياسية لن تحمد عقباها. وما ينتج عن ذلك من تظاهرات وفوضى شعبية قد تهدد بنيان النظام اللبناني المهترئ أصلاً بسبب طائفيته وفساده المستشري والمتجذر في هذا النظام. وستصبح الحكومة في خبر كان عبر تظاهرات الشارع ودواليبه المحترقة. وقد يستغل الكيان الإسرائيلي حالة الضياع والفلتان اللبناني لشنّ حرب عسكرية واسعة النطاق على حزب الله. وبالتالي سنواجه إعادة تشكل لنظام سياسي واقتصادي جديد يتماهى مع تطورات المنطقة وموازين القوى فيها.

فهل نحن مقبلون على فوضى بنّاءة أم هدّامة؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم