الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كنت أقف أمام آخر خطوة

محمد توبة
كنت أقف أمام آخر خطوة
كنت أقف أمام آخر خطوة
A+ A-

يتهامسون في ما بينهم، ينعتونه بكلمتهم المشهورة: "لتلات".

كما في كل مرة، يفصّل ما يجول في خاطره ويتحدث عن حلم سيبدأ بتنفيذه، عندما يلتفت ليجيب عن سؤال أحدهم حول أمر مرتبط بما يتكلّم عنه، ينتهزونها فرصة ليسخروا، فأحدهم يمدّ يده مشيراً إليه مومئاً برأسه ليدلّ على سفاهة حديثه، فمشاريعه كثيرة ولم ينفّذ منها شيئًا.

هو يسير في عجلة أحلامه ويتذوق جرعات عالية من الأمل بالنجاح، وهم بجانبه يسخرون، ليس خطأهم ما هم فيه من اللغو بل خطأ عدم سير الأحلام التي يرسمها في مسار، وعنيت ما قلته، فما سارت أحلامه في مسار أبداً، وكلما خطّط وجهّز وأراد الدخول عاكسته الظروف، وغالباً ما تعاكسه الماديات، فهو رهين لها، ولم يذلّ نفسه يوماً ليطلب أو يرتهن لمن يذلّه ويفرض عليه شروطه، وبالحقيقة هو يخشاها لأن قدمه زلّت مرة ولن يُلدغ من جحر مرتين.


يحدثهم ويسألونه حول التفاصيل، وفي إحدى هذه الجلسات أشار إلى مشروع في رأسه هيّأ له جميع الترتيبات ليدخل به. وبدأ أحد الذين يهزأون منه يستجوبه لأن ما يطرحه خريطة نجاح، ففهم كل تفصيل حتى وصل إلى العناوين.


اكتملت السهرة، ولكن قلّت الإيماءات والهمسات، تفاجأتُ، وتابعت تفاصيل لغات الأنفس، وكأن النفوس يسيل لعابها لتنفيذ تفاصيل ما خطط له. أتأمل وجوههم الساخرة في كل مرة، المنصتة هذه المرة، أتأمل ما تخبئه الأنفس في لجاجة صدرها، وكأني فهمت، ولكن إنّ بعض الظنّ إثم.


المشروع رسم خطاه إلى عقل ذلك الطالب، التفاصيل، المستهل، الشروع بالتنفيذ.


النار تأكلني لأني أرى فتائل السرقة بدأت تشتعل، وإن سرقة فكرة ما هي إلا سرقة مستقبل، تعيّنت اللحظة المناسبة لخوض حديث مع ذلك الحالم، وقد ساهمت أجواء الوجود بخلق خلوة بيني وبينه فسألته:

– لمَ في كل مرة تطرح كل ما يجول في صدرك؟!

فاجأتني إجابته:

– لأني لا أستطيع أن أخبّئ ما يفرحني عمن أحب، فهي فرحة وأحب لهم أن يفرحوا بما يفرحني.


لم أكن أريد استكمال حديثي لأني سأبوح بما استنتجته، فإني أرى لعاباً يسيل في استغلال كنز الخيال هذا، ولا أريد كسر السور الذي يمدّ الأحلام بالأمان، وقد أوقفني وقع أقدامهم وهم يقتربون، فحلّ الصمت محلّه.


وأعادت الأيام جدولتها للسهرات، ولكن بعض التفاصيل تغيرت؛ لم يعد سامي يتحدث، تغيّر، بات شخصاً جديداً غير الذي أعرفه، انتظرت استئذانه الرحيل، فخرجت بإذنه لأسايره وأفهم سبب هذا التغيّر، هل بات شخصاً جديداً بعدما حقّق ما هدف إليه، هل تحقيق الأحلام يغيّر الطباع؟


– سامي، أراك متغيراً، لم تعد تحدّث بخواطرك وأحلامك، يبدو أنك تنفّذ مشروعك.

– بالحقيقة مشروعي يُنفّذ.

– جميل، وهل يسير كما كنت تأمل؟

– آمل ذلك ولا أضمر أي شر.


أدخلتْ كلماته المموّهة العجب إلى قلبي، ولم أفهم كنه الكلمات.

غدرتني المسافة ووصل إلى وجهته قبل أن أتمّ مبحثي، فتاهت أفكاري، ولم تنقضِ ليلتي، وصار الصراع بين الأحلام والأوهام يطاردني، انتظرت شروق الشمس لأفهم، وكأن غايتي في الحياة باتت في فهم مكنونات ما رمى إليه سامي.


زرته في بيته لأفهم، باغته بسؤالي عندما أطل مرحّبا بي:

– هل تحقيق الأحلام يغيّر الإنسان؟


تعجّب، وبدت ملامح العجب على وجهه، ولكنه فهم ما أرمي إليه، فالخجل بدا بثوبه المخفي، جلس وتنهّد تنهيدة مؤلمة، الغاية منها تبريد آثار الجرح، نظر إلىّ:


– أنا لم أتغير، ولا تغيّرني الظروف، وسأظل كما أنا، وما صمتي في جلساتنا الليلية إلا لأحفظ ماء وجهه.

– سامي أرجوك أوضح، فألغازك سرقت ليلتي وأفكاري.

– مشروعي يُنفّذ، وأنا واثق بأنه سينجح، وما صمتي إلا لقتل الإحراج.

– إحراج مَن يا سامي أفهمني؟

– صديقي، مشروعي بتفاصيله ينفّذه جميل، بكل تفصيل لم يغب عنه شيء، وأنا مسرور.

– مسرور!

– نعم، مسرور، لأن نجاحه يعني نجاحي، فأنا من خطّطت ودرست ونسقت، وهو من نفّذ بالتفاصيل خاصتي.

– ولكنه سرق فكرتك وتعبك!


تردّدت بعدما نطقت تلك الكلمات، وشعرت كأني النمّام في هذا المقام، على الرغم أني لم أنمّ شيئاً، فأنا مجرد سامع لتفاصيل الأحداث.

– لطالما خططت ورسمت ولكني دوماً كنت أقف حيث يجب أن أتابع، كنت أقف أمام آخر خطوة، وهو تجرّأ ونفّذ.

– هل استأذنك؟

– لم يستأذن.

– وكيف عرفت أنه ينفّذ؟

– هممت بالتنفيذ، ولكن أوقفني وجوده في تفاصيل العناوين

– ولمَ لم تواجهه؟!

– لن أواجهه، وسأترك نجاحه يثمر، ولن أعكر صفو فرحته، فهو صديقي

ما زلت لا أعرف إن كان سامي طيب القلب بلا حدود، أو أنه مجرد رجل بسيط أبله، ولكنني أعلم أن جميلاً كلما سينظر إلى وجه سامي سيطأطئ رأسه خجلاً أو هرباً، ولن يتمتّع بسرد أمجاد نجاحه أبداً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم