الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أبناء الإبادة ليسوا من دون عوائل

لين زوفيغيان
أبناء الإبادة ليسوا من دون عوائل
أبناء الإبادة ليسوا من دون عوائل
A+ A-

لقد بدأت أوّلى الفتيات والنساء الإيزيديّات بالهرب من مناطق سيطرة #داعش في أواخر سنة 2014، بعد أكثر من ثلاثة أشهر على غزو سنجار في الثالث من آب لذاك العام. عُدنَ كلّهنّ ناجياتٍ من عذاب عبوديّة جنسيّة. تكلّمت بعضهنّ عن الإجهاض الذي فُرض عليهنّ، بينما عادت أخريات حوامل. لكن في جميع الأحوال، وبالرغم من تحرّرهن من سبي أكثر الغزاة بُعداً عن الإسلام، فإنّهن أصبحن الآن عالقاتٍ في تجاربهنّ المريرة ورهينات سجن صدمتهنّ.

بعد مراجعة أحكام داعش المنسوبة زوراً إلى الشرع، أصبحنا نعلم أنّ ما جرى في #سنجار لم يكن مجرّد غزو. سنجار كان المحطّة الأولى للإبادة الممنهجة للهويّة الإيزيديّة والمحو التّام لوجودهم كمجتمع. وقد حدّثتنا تلك الفتيات والنساء اللّواتي استطعن الهرب قبل أن يُحكِم داعش القبضة على حدود مناطق سيطرته عن الكيفيّة التي اتبّعها مسلّحو التنظيم في إحياء عقائدهم المختلّة. فداعش اعتقد أنّه يستطيع القضاء على الهويّة بتطاوله على أجساد تلك الفتيات والنساء واسترقاقهنّ. لقد راهن التنظيم أنّه حتّى وإن هربت بعض النساء وعُدنَ إلى عوائلهنّ، سيكون مصيرهنّ النبذ والإبعاد من المجتمع الإيزيدي. كم أخطأوا التقدير.

على العكس، فرحَ الإيزيديّون بعودة فتياتهم ونسائهم، وسخّروا كلّ الإمكانيّات لضمان الترحيب برجوعهنّ. حتّى اليوم، لا يزال أصدقائي الإيزيديّون الذين دشّنوا المبادرة العالميّة للدفاع عن الإيزيديّين، يازدا، يتقصّون أثر أكثر من 3000 فتاةٍ وامرأة إيزيديّة فقدت آثارهنّ، ويُعتقد أنّهنّ ما زلن في قبضة مسلّحي داعش. نبضات الإبادة المكتومة تتجلّى بقوّة إذا ما أنصتّم.

بعض من الفتيات والنساء المستعبدات اللّواتي هربن سنة 2014 عُدنَ حوامل، وبعضهّن أنجب أبناءً منذ ذلك الحين. أبناء لمسلّحين ما اكترثوا قط لحسبٍ أو نسبٍ أو صلة رحم، فما كانوا ليكونوا بآباءٍ لأبنائهم البتّة. هذا أمر نعرفه من نظام داعش الصارم في ما يتعلّق بتحديد النسل. للأسف الشديد، أمسينا بقائمة تطول بنساء حملن عدّة مرّات أثناء السبي، كثير منهنّ أُجبرن على إجهاض أجنّتهن – بعضهنّ أكثر من مرّة – لأنّ ذلك يضرّ بالعوائد الماديّة لاستثمارات "المُلّاك" الماليّة في سوق نخاسة داعش. الحامل يقلّ مربحها، وهذا أمر مستهجن في حسابات المارقة النهّابين.

أين أمسى هؤلاء الأطفال اليوم؟ بعضهم آوته عوائل أمّهاتهم الإيزيديّة، والبعض الآخر لا. عندما أصدر المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى بيانه في الرابع والعشرين من نيسان المنصرم، أفتى بقبول جميع الناجين من النساء والفتيات العائدات وعوائلهنّ. هذا أثار موجة من المشاعر المتباينة بين أبناء المجتمع ما بين معارضة شديدة اللّهجة وبين إشادة بشموليّة التقبّل في هذا القرار. وما كان إلّا أن أصدر المجلس الأعلى توضيحاً يوم السابع والعشرين من نيسان، مُعلِناً فيه أنّ البيان السابق لا يشمل أبناء الإيزيديّات المختطفات المولودين نتاج السبي.

من المجحف تبسيط قرار القيادة الروحيّة للمجمتع باعتباره إمّا صواباً أم خطأ. هذه مسألة شائكة ومعقّدة جدّاً. معاناة هؤلاء الأطفال يجب أن تؤخذ في الحسبان ليس فقط من منظور الإيمان الإيزيدي أو من منطلق حقوق الطفل، ولكن أيضاً من خلال عدسة القانون القومي والدولي، ومن خلال استدامة المجتمع وإعادة تنميته، وعلى وقع الإبادة الجماعيّة.

لكن في الوقت نفسه، علينا أن نؤكّد بعض الخطوط الحمر: مرفوض بتاتاً أن يُحرم أيّ من هؤلاء الأطفال من فرصة حياة كريمة تستحقّ العيش. من غير المقبول أن تأخذ الإبادة منحىً جديداً يسمح لداعش بالضرب في صميم المجتمع الإيزيدي، ليخلّف أضراراً جانبيّةً دائمة عبر بثّ الفتنة والتفرقة بين أبناء المجتمع الواحد الذين تكاتفوا ووقفوا سويّاً هذا الوقت الطويل.

هل سنقبل أن يشكّل هؤلاء الأطفال فاقدو الآباء، وبشكلٍ متكاثر فاقدو الأمّهات أيضاً، قمّة الإبادة الداعشيّة ضدّ الشعب الإيزيدي؟ أبداً.

هؤلاء الأطفال يستحقّون عائلةً عالميّة، لأنّ المجتمع الإيزيدي وقيادته الروحانيّة والعوائل المفجوعة ليست وحدها من يقع على عاتقها إيجاد حلّ لهذه التعقيدات. لقد حان الوقت للتوقّف عن الافتراض أنّ الشعب الإيزيدي وحده القادر ووحده المُطالب بإعادة بناء مجتمعه، والتوقّع بأنّه سيفعل ذلك لوحده منطلقاً من الأرضيّة المقلقلة في مخيّمات النازحين والعوائل المهجّرة عبر العالم. هذه هي العبرة التي يمثّلها هؤلاء الأطفال وتتجلّى من خلالهم بوضوح عين الشمس.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم