الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ترامب يدعو إيران للحوار... تفادياً لبديل تصعيديّ خطر؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

في 30 تمّوز، أعلن ترامب أنّه مستعدّ للحوار مع الإيرانيّين "من دون شروط مسبقة" وفي "أي وقت أرادوا". لهجة الرئيس الأميركيّ لم تحمل الليونة نفسها هذه المرّة، بعدما راح يذكّرهم بأوضاعهم الاقتصاديّة "الفوضويّة" منذ انسحابه من الاتّفاق النوويّ ومواجهتهم أرقام تضخم كبيرة "لم يسمع بها من قبل". وقال: "ما يجب عليهم فعله هو الاتصال بي، الجلوس (معاً)، وعقد اتّفاق، اتفاق منصف، نحن فقط لا نريدهم الحصول على أسلحة نوويّة، ليس كثيراً أن نطلب ذلك".

أضاف ترامب أمس أنّه لا يريد إيذاء الإيرانيّين بل مساعدتهم على "أن يكونوا أقوياء وعظماء وأن يحصلوا على اقتصاد عظيم، لكنّهم يستمعون إلى (وزير الخارجيّة الأميركيّ السابق) جون كيري" الذي اتّهمه بخرق قانون لوغان الذي يحظّر على المواطنين الأميركيّين غير المفوّضين من الإدارة التفاوض مع الدول المعادية للولايات المتّحدة. وتابع ترامب: "يجب أن يتّصلوا، وإن فعلوا ذلك، فنحن منفتحون للتحدّث إليهم، ليس لدينا أسرار، وبإمكانهم أن يكونوا أقوياء جدّاً ماليّاً، على الصعيد الماليّ لديهم قوّة كامنة عظيمة، بشكل يشبه جداً كوريا الشماليّة".


هواجس في أكثر من اتّجاه

تلخّص كلمات ترامب معظم الهواجس والأفكار التي تدور في ذهنه حاليّاً. بعد توقّف المسار الإيجابيّ بين واشنطن وبيونغ يانغ وبداية العودة إلى التوتّر في شبه الجزيرة الكوريّة، قد يفكّر الرئيس الأميركيّ بكيفيّة التعويض عن هذا الإخفاق مع إيران. يستخدم ترامب الأسلوب نفسه مع الطرفين، دامجاً العقوبات بالتهديدات العسكريّة والوعود الاقتصاديّة. توقّفت حدود هذا الأسلوب عند انفتاح كيم على واشنطن من دون تقديم تنازلات كبيرة. في ما يخصّ إيران، يبدو أنّ هنالك مؤشّرات إلى استعداد للحوار مع الأميركيّين أبرزتها زيارة وزير خارجيّتها محمد جواد ظريف إلى نيويورك ومقابلته وسائل إعلاميّة أميركيّة مقرّبة من الإدارة ومحاولة الفصل بين ترامب ومحيطه الذي يريد دفعه للحرب كما قال. من جهة ثانية، قد تكون دعوة ترامب إيران للحوار بمثابة محاولة لمنع تقرّب طهران من كوريا الشماليّة ديبلوماسيّاً بعدما أعلن ظريف نيته زيارة كوريا الشماليّة في المستقبل القريب. وإذا توصّل ترامب إلى اتّفاق مع الإيرانيّين، فإنّ ذلك قد يحفّز كيم على تتبّع خطى طهران، علماً أنّه حتى أشهر قليلة خلت، كان التوصّل إلى اتّفاق أميركيّ مع كوريا الشماليّة أقرب إلى الواقع من الاتّفاق مع طهران.

السياسة الداخليّة

قبل سنة ونصف على الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، يمكن أن يقدّم أيّ اتّفاق مع الكوريّين أو الإيرانيّين دفعاً لحظوظ ترامب بالفوز بولاية ثانية. ليست تلك الانتخابات ولا الصراع السياسيّ الداخليّ في الولايات المتحدة بعيدين ممّا قاله ترامب أمس حول إيران. فحديثه عن جون كيري بأنّه يعرقل التوصّل إلى حلّ بين البلدين ليس هامشيّاً. في إشارة إلى الصراع الديموقراطي-الجمهوري وإلى "الضغوطات" التي يمارسها الديموقراطيّون عليه، أشار ترامب إلى أنّه لو قام أحد المقرّبين منه بما فعله كيري لكان حوكم من قبل الحزب الديموقراطيّ.

نفى كيري تدخّله مع الإيرانيّين في هذا الشأن لكنّ تقارير عدّة انتشرت حول حضّ كيري الإيرانيّين على انتظار سنة 2021 على أمل أن تستلم إدارة ديموقراطيّة الحكم. حتى أنّ كيري نفسه لم ينكر الاتّهام بشكل واضح خلال مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" في أيلول 2018. حينها طرحت الإعلاميّة دانا بيرينو عليه السؤال التالي: "هنالك أشخاص في المجتمع الأمني ممّن يقولون إنّك كنت تخبر الإيرانيّين أن ينتظروا خروج الرئيس ترامب والإدارة وأن ينتظروا حتى يكون هناك رئيس ديموقراطيّ سنة 2021. هل هذا دقيق؟"

قال كيري إنّ الجميع حول العالم ينتظرون خروج ترامب من البيت الأبيض بمن فيهم الأوروبّيّون. لكن بعد إصرار بيرينو على سؤالها، أجاب: "حين التقيت بالإيرانيّين، كانت سياسة الولايات المتّحدة البقاء في الاتّفاق النوويّ لأنّ الرئيس لم يقرّر ولم ينسحب. ثانياً، كلّ وزير خارجيّة يواصل لقاءه بالزعماء الأجانب ويذهب إلى مؤتمرات أمنيّة، يذهب حول العالم ... نحن لا نتفاوض. نحن لا ننخرط في التدخل بالسياسة لكنّنا بالتأكيد نجري محادثات منطقيّة حول الأسلحة النوويّة، العالم، الصين، السياسات المختلفة".


رأس جبل الجليد؟

إنّ التنافس الداخليّ الحزبيّ والانتخابات الرئاسيّة ودعوة ترامب الإيرانيّين إلى الحوار لا تدلّ إلى أنّ ترامب في وارد التراجع عن تصعيده مع طهران. فالتلويح بإرسال حاملة الطائرات أبراهام لينكولن ووصول قاذفات بي-52 إلى قطر بسبب وجود "مؤشّرات واضحة" إلى تهديدات إيرانيّة للجيش الأميركيّ قد لا يكونان سوى رأس جبل الجليد.

في ما وصفته شبكة "أن بي سي" الإخباريّة بأنّه خطوة "غير عاديّة للغاية" عقد مستشار الأمن القوميّ جون بولتون اجتماعاً عند السابعة من صباح يوم الاثنين 29 نيسان مع عدد من المسؤولين السياسيّين والأمنيّين البارزين في مقرّات وكالة المخابرات المركزيّة "سي آي أي" لمناقشة الملفّ الإيرانيّ. وفقاً لما نقلته عن ستّة مسؤولين. وذكر تقرير الشبكة أمس أنّ الاجتماع ضمّ مديرة الوكالة جينا هاسبل ووزير الدفاع الموقت باتريك شاناهان ورئيس هيئة الأركان الجنرال جوزف دانفورد ووزير الخارجيّة مايك بومبيو ومدير المخابرات الوطنيّة دان كوتس. ومن النادر جداً أن تُعقد هذه الاجتماعات التي يحضرها مسؤولون من الإدارة في مقرّات "سي آي أي"، بل هي تنعقد عموماً في البيت الأبيض.

ولم يتطرّق الاجتماع إلى المعلومات الاستخباريّة التي أنتجت قرار إرسال حاملة طائرات وقاذفات قنابل إلى الشرق الأوسط، لكنّ المسؤولين لم يعطوا تفاصيل إضافيّة. وذكر التقرير نقلاً عن مصادر وخبراء، أنّ الاجتماعات كهذه تُعقد في مقرّات "سي آي أي" لإطلاع أبرز المسؤولين عن عمليّات سرّيّة عالية الحساسيّة أو نتائج العمليات الجارية أو خيارات لإطلاق أخرى. وقال مسؤولان آخران للشبكة إنّ لدى الولايات المتحدة قدرة محددة على جمع المعلومات الاستخباريّة عن إيران لا يمكن مراجعتها إلّا في مقرّ الوكالة.


ما الذي تتعقّبه واشنطن؟

بعد حوالي ساعتين على تقريرها الأوّل، نشرت "أن بي سي" تقريراً ثانياً نقلت خلاله عن ثلاثة مسؤولين مطلعين قولهم إنّ قرار واشنطن إرسال المزيد من القوّات إلى الشرق الأوسط جاء جزئيّاً بسبب معلومات استخباريّة أوضحت أنّ النظام الإيرانيّ أبلغ وكلاءه أنّه بات بإمكانهم مطاردة الأصول والأفراد الأميركيّين في المنطقة. وتتعقّب واشنطن احتمالات إطلاق هجمات صاروخيّة من زوارق إيرانيّة في الخليج العربي أو من العراق أو حتى هجمات حوثيّة على السفن الأميركيّة.

هل كانت دعوة ترامب للإيرانيّين كي يتّصلوا به محاولة لتدارك تصعيد أخطر بين البلدين؟ كان في كلامه أمس بعض المؤشّرات: "لدينا معلومات لا تريدون معرفتها. كانت تهديديّة جداً، وعلينا الحصول على أمن عظيم لهذا البلد وأماكن أخرى عدّة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم