ماذا تعرفون عن سيد مكاوي أشهر مسحراتي في العالم العربي؟

لشهر رمضان المبارك أجواؤه الخاصة، من الأمور الدينية والروحانية، مروراً بالأكلات الشهية والمسلسلات الخاصة، وصولاً إلى العادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال، كالمسحراتي مثلاً. وعند الحديث عن "الطبال" الذي يوقظ الناس على السحور لتناول الطعام، لا يمكننا إلا ذكر سيد مكاوي الذي يعتبر أشهر مسحراتي في العالم العربي. فماذا تعرفون عنه؟

ولد الشيخ سيد مكاوي كما كان يحب أن يسمى في عام 1927 بحي الناصرية بالسيدة زينب في مصر. ورغم أنه كان كفيف البصر إلا أنه حفظ القرآن وعمل مقرئاً ومؤذناً ومنشداً دينياً. وكان محباً لمشايخ المنطقة وكانت آذانه موسيقية وسماعية إلى حدٍّ كبير. لذلك كانت والدته تشتري له الكثير من اسطوانات الموسيقى التي كان يعشقها ويحفظها عن ظهر قلب، وكان يسعى ليكون مطرباً في الإذاعة المصرية التي اعتمدته لاحقاً كمطرب رسمي لها في خمسينيات القرن الماضي، فأدى الكثير من الأغاني التراثية، ثم عمل بالتلحين ليصبح من أكبر وأشهر الملحنين في مصر فلحن الكثير من الأغاني الوطنية والدينية والعاطفية والشعبية للإذاعة، وذاعت شهرته جماهيرياً عندما لحن لمطرب الشعب محمد عبد المطلب أغنية "قلت لأبوكي عليكي وقالي" وأغنية "إسأل عليّ مرة "، ثم لحن أغنية ليلى مراد "إحنا الاتنين"،  كما لحن لأم كلثوم أغنية "يا مسهرني"، بالإضافة الى الكثير من الألحان والأغاني والأوبريتات ومنها الليلة الكبيرة. 

شهرة سيد مكاوي لم تقف هنا بل زادت عند بث برنامج المسحراتي الشهير والذي يعود إلى عام 1964، عندما كانت الإذاعة المصرية عن طريق البرنامج العام تقدم برنامج المسحراتي للعديد من الفنانين والملحنين مع فرقة موسيقية ومنهم أحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق ومرسي الحريري، وفي عام 1967 استدعت الإذاعة المصرية الشيخ سيد بعد أن ذاعت شهرته ليلحن بعضاً من حلقات المسحراتي أشعار فؤاد حداد لشهر رمضان فوافق ولكنه اشترط على الإذاعة أن يقوم بالغناء وحده مع الاستغناء عن الفرقة الموسيقية واعتماده على طبلة صغيرة معه وبعدها أضاف الجلابية والطاقية بالتليفزيون، وعندما نجح السيد مكاوي وحقق جماهيرية كبيرة أكمل فؤاد حداد عام 1968 30 قصيدة من أشعاره لشهر رمضان كاملة وقدمها السيد مكاوي ونجح فيها بإيقاعه وصوته الساحر والمؤثر كبديل شخصية المسحراتي المستمدة من التراث المصري، غير أن مكاوي مع فؤاد حداد قد استخدما المسحراتي لوظائف أخرى هامة ومنها أن هذا البرنامج الذي كان يقدّم في الإذاعة قبل موعد السحور لم يعد يوقظ المصريين لتناول سحورهم فحسب، وإنما ليوقظ من خلال الألحان والأشعار إرادتهم وضمائرهم وبخاصة بعد نكسة 1967 من أجل التوحد للخروج من النكسة إلى تحقيق النصر. ولذلك نرى أن الأشعار الجميلة عبر الحلقات التي تواصلت عبر رمضان بسنواته المختلفة واللاحقة سرد تاريخ مصر عبر ألف عام والتركيز على إبراز الشخصيات التي أثرت في تاريخها في كافة المجالات مع التركيز على العروبة والتغني بتراث ومجد الدول العربية. وبهذا تحول دور سيد مكاوي من مسحراتي إلى شخصية مؤثرة في المجتمع المصري والعربي عامةً.

انتقلت الحلقات الإذاعية إلى التليفزيون وبدأ السيد مكاوي يظهر للمستمعين متجولاً في شوارع القاهرة التراثية متقمصاً شخصية المسحراتي ومعه الطبلة والجلابية والطاقية فيظهر بأدائه الجميل والطروب الذي يظهر طبيعة رمضان المصرية وروحانيات وتجليات الساعة التي تسبق آذان الفجر، حتى أصبح الشيخ سيد مسحراتي صاحب هذا العمل الذي أسند له كاملاًـ حتى أصبحت الآذان المصرية لا تتمتع بالسحور إلا من خلال الأداء الجميل للشيخ سيد مكاوي الذي كان يعطي لرمضان مظهراً فلكلورياً جميلاً يضاف إلى المسحراتي الشعبي الذي ينتشر في المدن والأقاليم والقرى المصرية. وظل يقدم برنامجه المسحراتي بأسلوب اعتمد فيه على بصمة فنية هامة تحسب له في اللحن والأداء، ثم اختياره للكلمة التي دخلت إلى قلوب المصريين كغيرها من فنون التراث الشعبي اللحني والقولي، وأصبح يسمعه جيل وراء جيل خلال شهر رمضان ليصبح محطة من المحطات اللحنية المتفردة في التراث الموسيقي المصري والشرقي، حتى توفي السيد مكاوي في 21 نيسان 1997 ليظل برنامجه مستمراً حتى وقتنا هذا.