الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حان الآن ميعاد كآبتي وسمفونية الذكريات

نادين اللحام
حان الآن ميعاد كآبتي وسمفونية الذكريات
حان الآن ميعاد كآبتي وسمفونية الذكريات
A+ A-

ما بيني وبين الموت إلا خطوة واحدة والكثير الكثير من الخوف. لم تَعُد أذناي تحتمل السكون؛ فراهنت على انتحاري، ولم يبقَ بيني وبين الموت إلاّ خطوة واحدة وقرار انتقاميّ هشّ.

وضعتُ قدمي اليمنى في العدم، أما اليسرى فبقيتْ في الحياة. رأسي لم يكن سوى مستودع غضب مكبوت، وشريط من الأحاديث التي أقمتها مع نفسي، لم يكن غير مَخزَن لصور وأحداث تعفّنت فتكاثرت عليها فئران الذاكرة.

والآن، ما يفصلني عن الموت خطوة واحدة وندم، فإما الإقدام أو التراجع. يا إلهي، كم هي طويلة مدة تلك الخطوة! عجباً! وكأن هناك حياة أخرى بين الحياة والعدم.

قطعَ الصمتَ عواءُ كلب بعيد، ودقات قلب ينبض بالألم، فدفعت الحياة ثمن رهاني الخاسر. أفْظع بها من حقيقة! عزلتك تجعلك بحاجة إلى عواء كلب بعيد.

خيبة وحنين وبُعد

لست أدري ما الذي دفعني اليوم إلى الكتابة، على الرغم من أنني عاهدت نفسي على الانقطاع عنها؛ فلم يعد في الروح ما يُقال.

كيف حالك من بعدي؟ هل ما زالت قهوتك تسرق من عينيك الثوب البنيّ لتلبسه هي؟ والموسيقى، أما زلت تسمعها؟ ماذا عن مكتبتك التي احتوت كتبي، أهي منسيّة مثلي؟ نعم، نعم، فقد كان بيننا كتاب وقهوة، أتذكر؟

البارحة مررت بجانب مقهانا، كنت أخطف نفسي من نفسي ومن المارّة لأراك هناك، على طاولة بجانب حائط قديم الطراز، عليه لوحات كنّا نتبارز في تحليلها. مقهانا البارحة بدا لي موحشاً، لم أستشعر روح القِدَم فيه، ولم أرَ اللوحات. مقهانا البارحة بدا مرعباً، بدا بارداً، بدا سابحاً في اللاشيء. عدتُ جرياً إلى غرفتي، إلى منفاي، وقررت حينها أن أنساك؛ أوّل ما قمت به هو إخفاء كمنجتك التي وضعتُ أوراقي وأحلامي بين أوتارها، فكانت بين الوتر والوتر تجهّز مقصلتي. ثم أهديت الغاز اليدوي النحاسي لصديق لي. أما حبرك فسقيتُ به وردتك، جفّ هو وماتت الأخيرة للأبد.

ظننت أنني نجحت في نسيانك، فصرت أشرب خمرة الفوز، إلا أنّ رسالتي لك الآن أعادتني من سَكْرتي؛ إنني ما نسيتك قط.

ندم وغصة وبُعد

الليل أتى، وحان الآن ميعاد كآبتي وسمفونية الذكريات، منذ هذه اللحظة، الوقت سيجمد، سيحدّق بي طويلاً، وسيرأف بوحدتي، يرسل لي الضجر، فالضجر كان الصديق الأوفى منك، إنه لا يتركني؛ بل يجلس قربي، وأحياناً يداعب شعري، وكثيراً ما نقرأ الكتاب معاً.

لا تقلق على حالي، أنا بخير، لكنك كسرت قلبي وعبثاً حاولتُ ترميم أشلائه؛ فنحن يا صديقي عندما نُرمّم ما كُسِر قد نُجْرَح. لا تبحث عني، فأنا هجرت الحاضر على جناح الماضي وما تركت لك إلا هذه الكلمات، كلمات ما قبل الموت. وأنت لم تترك لي إلا عتباً وتعباً، ورأساً يتغذّى عليه غراب الحنين.

للأيام رائحة، ورائحة أيامي معك باتت تثير غضبي وبالتالي نشوة البكاء. ولكنني بخير، لذا سأرحل، واعذرني، سأسرق ظلك منك، أريده معي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم