اشترِك في نشرتنا الإخبارية
بعض الفنانين ينتمون الى خانة المبدعين الملعونين، فهم يعيشون في الظل ويموتون منسيين الى أن يعاد اكتشافهم بعد رحيلهم. تلك حال الفنان الفرنسي شارل فيليجي (1928-1863) الذي يقام له اليوم معرض كبير في "غاليري دانيال مالينغ" الباريسية العريقة يتيح لنا التعرف عن كثب إلى لوحاته المدهشة التي لم يدرك إلا قلائل أهميتها الجمالية، وكان من هؤلاء الشاعر ورائد الحركة السوريالية أندره بروتون، الذي كان معجبا كثيرا بنتاج الفنان فيليجي بسبب طابعه الصوفي وسحره الخاص حتى أنه اقتنى عددا من لوحاته وعلقها على جدران منزله الباريسي كما تبين بعض الصور لمنزل الشاعر.
يضم المعرض أكثر من ستين عملا تبين مسيرة شارل فيليجي الذي ارتبط بصداقة مع الفنان بول غوغان الذي التقى به في العام 1885. كان فيليجي في تلك المرحلة فقيرا معدما فقرر في العام 1888 اللحاق بغوغان والإقامة في منطقة بروتاني، وبالتحديد في قرية بون أفين الصغيرة التي استقطبت في تلك المرحلة مجموعة من الفنانين الرواد الذين هربوا من أجواء العاصمة باريس سعيا وراء الطبيعة الخلابة وللابتعاد عن صخب الحياة اليومية والضغوط المالية والاجتماعية.
وإذ اختار غوغان لاحقا الرحيل عن فرنسا متوجها الى جزيرة هايتي البعيدة، ظل فيليجي في منطقة البروتاني وغرق أكثر فأكثر في العزلة متشردا بين فندق وآخر ومدمنا الكحول. ومنذ العام 1888 حتى وفاته أنجز فيليجي عشرات اللوحات بتقنيات مختلفة تشهد لأسلوبه الفني المعبر. فهو يستوحي من الطبيعة ومن الفنون المسيحية لمرحلة القرون الوسطى، كما يستوحي من الأيقونات البيزنطية لكنه يعيد صياغتها بأسلوب حديث وجريء يتجسد في طريقة تعاطيه مع الألوان وهندسة اللوحة كما في أسلوب رسمه للوجوه وعناصر الطبيعة.
عانى الفنان فيليجي طويلا من الانهيارات العصبية والمرض والادمان وكان ذلك من العوامل التي جعلته يموت وحيدا ومنسيا بعيدا عن صالات العرض وسوق الفن. بعد سنوات طويلة من رحيله يعيد نقاد الفن اكتشاف لوحاته التي تستحق أن تكون في المتاحف ومنهم مؤرخ الفن أندره كاريو الذي أصدر أخيرا كتابا عنه استغرق إنجازه أكثر من عشر سنين روى فيه سيرة الفنان معتمدا على عدد كبير من الصور والوثائق، كما يشرف اليوم على المعرض المقام له حاليا في باريس.
