الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

مواطنو العمل والصمت

سمير عطاالله
Bookmark
مواطنو العمل والصمت
مواطنو العمل والصمت
A+ A-
نتذكرهم في مناسبتين فقط: الأولى، سنوية، وهي ذكرى الابادة الكبرى التي ذهب ضحيتها اكثر من مليوني إنسان، وشرّدت ملايين آخرين في انحاء العالم، كانت حصتنا منهم عشرات الآلاف. الثانية، دورية، وهي في مهرجان الانتخابات النيابية، ومعارك الاستقطاب والبحث عن الاصوات. وفي ما عدا ذلك نكاد لا نشعر بوجودهم، فلا ذكر لأي منهم في باب المحاكم أو المخالفات، ولا في باب الاستفزاز السياسي أو الاجتماعي، كأنما بيننا وبينهم كوكب آخر. لهم جامعتهم الموازية في عدد كبير من كلياتها، وخصوصاً العلوم، للجامعتين اليسوعية والاميركية. ولهم صحفهم ولهم معابدهم. ولهم لغتهم التي تؤنث المذكر وتذكّر المونث، ولهم مصانعهم ومدارسهم وتجارتهم الذكية والمفلحة أكثر بكثير من تجارات الفينيقيين التي تحيط بهم. عندما وصلوا الى هنا، لاجئين وهاربين من المذابح التركية، سكنوا في ما عُرف يومها بـ"الكامبات". كمب شرشبوك وكمب هاجين. وباقي الاسماء المعذبة. وشيئاً فشيئاً فكّكوا تلك العزلة البائسة من حول اعناقهم، وتضامنوا في الخروج الى حال أقتصادية أفضل، وبرعوا في الفنون وفي العلوم. ثم انتقلوا في الكدّ والبراعة، الى التحدي الأكبر. فاصبحوا يجيدون اللغة العربية أكثر مما نجيدها، وبرز بينهم كبار المحامين والاساتذة والأدباء. والتزموا القانون والأصول والأخلاق، أكثر من أي مواطن آخر. ورفضوا حمل السلاح في عز الحرب والانفلات على القتل. وعلى رغم انتمائهم الى احزاب عقائدية وطائفية ضمن مجتمعهم، فإنهم لم يُقحموا الحكومة أو الدولة، أو المجتمع اللبناني، في اي من سياساتهم أو خلافاتهم.ليس الأرمن من جنس الملائكة بالتأكيد. فإنهم بشر، والبشر بشر. لكن بالتأكيد ايضاً لم نعرف في لبنان، أو في سوريا، أسرة إثنية تصرفت بمثل هذا السلوك الملوكي بفقرائها ومساكينها واثريائها وأهل اليمين أو اليسار فيها. لا نعرف تماماً ما هي مطالبهم الحقيقية، ولكن المؤكد أنهم الاسرة الوحيدة القادمة من خارج لبنان، والتي لم تطالب بعزل ...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم