الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نقاش - عن "عنب لبنان"

رامي الريس
A+ A-

أرسل رئيس تحرير جريدة "الأنباء" اللبنانيّة، الأستاذ رامي الريس هذا المقال تعليقاً على مقال عقل العويط، "عنب لبنان"، الصادر في 14 كانون الاول 2013.
بعد التحية، قرأت بتمعن مقالتكم بعنوان "عنب لبنان" المنشورة في ملحق "النهار"، السبت 14 كانون الاول 2013، وهي أسوةً بالعديد من مقالاتكم، تحث القارئ على التفكير في عمق الاشكاليات بدل التمسك بسطحيتها، وهو مطلوب في هذه اللحظة الحساسة (ألم تكن كل لحظات هذا الوطن المستحيل حساسة تقريباً) أكثر من أي وقت مضى.
أتفق معكم أن جانباً من "الأزمة التي تعصف بلبنان راهناً، هي حصيلة أخطاء وفجوات بنيوية دستورية وأزمات متراكمة (...)"، وهي إشكالية قديمة - جديدة لم تنجح وثيقة الوفاق الوطني اللبناني المعروفة باتفاقa الطائف (1989) أن تجد لها حلاً، لا بل أن البعض يذهب ليقول إنها فاقمت العثرات الدستورية وكدّستها فولّدت نظاماً ميتاً، معطلاً، لا يملك القدرة على العيش، او على تطوير ذاته وتقييم تجربته بطريقة نقدية علمية رصينة ومحددة.
لقد عانى اللبنانيون من مساوئ هذا النظام السياسي، قبل إتفاق الطائف وبعده، ولا سيما أن عقدته الاساسية المرتكزة في طائفيته، كرّست جزراً سياسية ومذهبية ومؤسساتية أصبحت في مجموعها، وربما بعضها بطريقة منفردة، أقوى من الدولة، ولا شك أن تضارب مصالح هذا "الكيان" جعلت أعطاله دائمة ومستمرة.
ووصلت درجات التماهي بين هذه المجموعات و"الدولة" الى حدّها الاقصى، إلى درجة أفقد هذه "الدولة" صورتها وموقعها ودورها وهيبتها المفترضة، وحال دون إمكان قيامها بوظائفها الاساسية التي هي في صلب تكوين مفهومها كدولة مثل الدفاع والنمو الاقتصادي والاجتماعي، والحرب والسلم، ناهيك بإسقاط مساحة واسعة من دورها في قضايا الاموال الشخصية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر ولا سيما الزواج والطلاق والإرث وسوى ذلك من القضايا ذات الصلة.
وإنني في ذلك إتفق تماماً مع قولكم: "(...) بلاد قائمة على جموح الغرائز والتصّيد والانتهاز وعلى التسويات الكاذبة، وعلى تسعير جنون الطوائف والمذاهب والعصابات السياسية".
الخلاف العمودي بين اللبنانيين، الذي بدأ يأخذ أبعاداً مذهبية (أسوةً بمرحلة ما قبل 1975 ولو اختلفت المذاهب المتناقضة هذه المرة)، يطال ثوابت أساسية ومركزية، ويتعلق بجملة ملفات في غاية الأهمية كالسياسة الخارجية (نعم يفترض بلبنان أن يرسم سياسة خارجية) ودور هذا البلد الضعيف في الصراعات الاقليمية (ولمن نسي الصراع العربي – الاسرائيلي الذي لم تطو صفحته بعد) ولو أنه لا يملك رفاهية تحديد هذا الدور بالكامل بفعل تداخل المصالح الاقليمية مع سياسات لاعبيه المحليين.
ان فشل اللبنانيين في الاتفاق على سياسة خارجية موحدة طوال عقودٍ ولدّ في كل مرة الحروب والنزاعات مثل ثورة العام 1958 وصولاً الى الحرب الاهلية التي اندلعت سنة 1975 وتوقف فيها المدفع سنة 1990، لكن لم تنته الحرب او اقله لم تعالج مسببات اندلاعها في الدرجة الاولى.
من هنا، فإن الانحلال التدريجي لمفهوم الدولة بفعل الانقسام الداخلي، تغذيه النيران الاقليمية المشتعلة ومناخات المنطقة العربية والاسلامية المنحدرة اكثر فأكثر نحو النزاع المذهبي والتطرف الديني، كل ذلك يطرح علامات استفهام كبرى حيال المستقبل المرتقب للبنان في ظل "الازمة الوجودية" كما وصفتموها، وفق "التقاليد الفلسفية والفكرية"، على حد تعبيركم.
إذ لا أضع هذه الكلمات في خانة الرد، أشير الى أنها لا تتعدى كونها خواطر أو مجموعة أفكار غير منظمة ولّدتها قراءة مقالتكم الاخيرة وفيها صرخة كبيرة حيال الدرك الذي وصلت اليه هذه البلاد.


 كاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم