الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"وادي الغيوم" لعلي نسر: الوجود والله وتدخله نفسه على الطاولة الباردة

نبيل مملوك
"وادي الغيوم" لعلي نسر: الوجود والله وتدخله نفسه على الطاولة الباردة
"وادي الغيوم" لعلي نسر: الوجود والله وتدخله نفسه على الطاولة الباردة
A+ A-

اختار علي نسر في باكورة أعماله الروائية "وادي الغيوم" الصادرة عن دار المؤلف -2019 أنْ يحسم المعركة الأدبية القائمة بين الفكرة والسرد لصالح الفكرة، فعنوان الرواية الذي منحها هويّة مأسوية إذا افترضنا أن مشاكل السماء الخارجية تتلبّد على شاكلة غيوم، فكيف إذا كانت وادي الغيوم؟

لنجد أنفسنا في حلبة تتصارع فيها عدة شخصيات واعية وتحمل إيديولوجيات متفاوتة، تشتد بين يوسف قنديل العلماني المقاوم الهارب من ماضٍ عابق بالحروب والدمار باحثاً عن حرية تجسّدت في شربه الخمر وتعدد علاقاته النسائية وكتابته الشعر والنقد، وصلاح المحافظ المؤمن بالنص القرآني والمبتعد عن يوسف الذي حمل لواء التساؤلات التي لا نجرؤ عليها، ليغدو الصراع المفعم بالصداقة القويّة بين طباقين يسمى بـ"الصداقة اللدودة"، فقنديل الذي منحه الكاتب مساحة كبرى من المونولوج والبوح والتبرير والسرد بحجة أنه الشخصية الأساس، قد جعله في الوقت عينه يدخل في نفق الذاتية، وبان ذلك بوضوح في عدة أحكام ومواقف أطلقها يوسف، تنسجم كل الانسجام مع بعض مواقف الدكتور علي التي ترجمها أمام المقربين منه وفي مقالاته مع تعديل طفيف: ...ترعرعت على احتسائه (اشارة للشاي) دون أن أسأل نفسي عن مدى اقتناعي به (ص ٢٠) ولكن أنا قلت (سلام) من دون عليكم، فلماذا أجبتني بعليكم السلام (ص.٣٠) الكاتب نفسه نعم هو القارئ الأوفى والأول لنصه وهو من يتلقاه بعد ولادته (ص١٧٢)... وما يجعلنا نتوقف عنده أكثر تفضيل الشخصية الأساسية المنخرطة في العالم الأدبي لتعدد الأصوات الروائية في الرواية: لا أحب هذا النمط من الروايات التي يكون فيها الراوي أحادي السرد والكلام والرؤية... (ص ٩١) لكن ألم يكن يوسف قنديل الجريء المتسائل - إن افترضنا أن الكاتب سيتهرب من ارتباطه الفكري بها - أكثر الشخصيات التي تثير أنا القرّاء وفضولهم تحت عنوان الشخصية الرئيسية؟ لكن نسر العارف والمتمكن من ضبط إيقاع النص الأدبي وتشريحه قد أعطى صلاح وأيمن وحسام حقهم في بسط إيديولوجياتهم. فقرأنا في الأول الفكر والفلسفة الإسلامية والروحانية بالرغم من كره صلاح لما درسه وانصرافه إلى الجهاد. وكان أيمن المفصل الأساسي في باب السرد الذي حرك بسلاسته مجرى الرواية المليئة بالمفاجآت والمطبوخة على نار شعرية خفيفة تاركة لنظريات اجتماعية ونفسية أسطرًا كافية للظهور عبر مشهدية ارتشاف الكأس (ص٢٩) إلى التحدث عن زلّات اللسان (ص ٩١) إضافة إلى اختلاق رواية وفاء وجلال التي تمسك بها البطل داخل الرواية، مما ضاعف الفضول عند المتلقي لتكوين مبنى الشخصية ومعرفة ما المأساة التي ستنتظر الحبيبين موت أم اندثار الحب التي رسخته أفكار البندقية؟ التي ألقاها جلال مفضلاً الهزيمة واغتصاباً ثلاثياً جمع الأم والوطن ووفاء.

وإذا أردنا العودة مجدداً، ففي صدر الرواية وتحديداً (ص ٦٨) حوارات كشفت عن تكلم لاوعي الشخصيات وتحرك أناهم حين فرض نقاش الوجود والله وتدخله نفسه على الطاولة الباردة في مقهى المدينة. واللافت أن الدكتور علي اختار شخصية ثانوية لتغير مجرى حياة البطل كاسرًا ما اعتدنا عليه ليفرض التراجيدية التقليدية المتمثلة في النهاية باستشهاد صلاح وموت مرام المعنوي أمام الحقيقة التي كشفها أبو أيمن امام البطل والتي جعلته وحيداً يستأنف محاكمة ذاته على أخطائه وأفعاله إضافة إلى طيف صلاح ونظرياته وسجلاته معه.

الرواية عميقة. الأحداث التقليدية المجملة بالصدمات والمفاجأة المبدّلة التي تجسّدت على شكل غيوم لم تكن إلا مدخلاً ليرسم القارئ الوادي الملبّد بالإشكاليات كما أراد أو كما أرادت الشخصيات.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم