الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"سيف محمد بن سلمان" مطلب لبناني...

المصدر: "النهار"
محمد نمر
"سيف محمد بن سلمان" مطلب لبناني...
"سيف محمد بن سلمان" مطلب لبناني...
A+ A-

"نحن كشعب لم يعد لدينا ما نقوله. أتمنى أن يكون عندنا زعيم في لبنان (...) أتمنى أن يكون عندنا محمد بن سلمان يحطّهم (السياسيون) بمطرح: (يقول لهم) حطّوا المصاري إلي جبتوها وخلصونا والله معكم". كلام لفتاة لبنانية كانت بين حضور غير حزبي في برنامج "صار الوقت" على قناة Mtv.

أثارَ كلامها وسائل الإعلام ومواقع التواصل اللبنانية والعربية. هي ليست المرة الأولى التي يسمع بها اللبنانيون مثل هذا التمني، إذ سبقَ وانتشر فيديو منذ أشهر للبناني في مطار رفيق الحريري الدولي يعبّر فيه عن غضبه من الفوضى في المطار وغياب الدولة، فصرخ قائلاً: "إنتو بدكم محمد بن سلمان يحكمكم ويعاقب إلي بيسرق وينهب".

انتشرت أيضاً مطالبات مشابهة على مواقع التواصل الاجتماعي في فترات سابقة، ليس في لبنان فحسب بل في دول عربية عدة أكلها فساد يدفع ثمنه المواطن الضعيف وينشره مسؤول محصّن. وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استخدم أسلوب "العلاج بالصدمة" لمكافحة الفساد في المملكة، عبر نموذج لم يسبق أن أقدم عليه أي مسؤول عربي أو غربي، استعاد فيه أكثر من 100 مليار ريال لمصلحة الخزينة العامة، من أشخاص ارتبطت ملفات توقيفهم بالفساد. وشبّه ابن سلمان العملية في مقابلته مع "واشنطن بوست" بـ"العلاج الكيميائي لسرطان انتشر بالجسد"، وتحوّلت العملية نموذجاً مطلوباً في كل مستنقع فاسد.

يتعلّق المواطن بحبال الهواء. كل ما يفكر به هو الخلاص والعتق من الفجور الذي يحمله بعض الطبقة السياسية ضد مستقبله. فيرى في تجربة محمد بن سلمان حلاً للمشكلة، يبحث عن منقذ لحلّ أزمة البلد التي أخذها حكّامه إلى مرحلة لم يعد معها أي حل ناجع. يريد المواطن اللبناني النجاة والمحاسبة بزجّ مسؤولين في السجن، لكن المفارقة أن هؤلاء يعودون إلى مواقعهم عندما يستنفرون العصبيات ويطلقون الغرائز فيعود مواطنو الطوائف إلى أحضان الحكّام حتى لو كانوا فقراء.

السرطان نفسه مستشرٍ في لبنان. الطبقة السياسية نفسها منذ 30 عاماً. لا ثقة بحكّام باتوا أغنياء ووطن يتألم فقراً جراء الفساد المتواصل. تعايش غير صحي مع الحالة وكأن القدرة على التغيير معدومة. العملية الجراحية السريعة والمطلوبة تحوّلت شعاراً بغياب الطبيب المختص. اليأس بلغ نخاع غالبية اللبنانيين وليس جميعهم، لأن لبنان مكوّن من ثلاث فئات: فئة فاسدة (تستخدم السلطة) وتكون صغيرة، فئة المنتفعين من الفساد وهي الأوسع، وفئة غير مبالية على قاعدة (إمشِ بجانب الحائط كي لا يلحقك الضرر)، والفئة الأولى تمارس نوعين من الفساد: الأول الكبير بسلب أموال الدولة، والثاني صغير بسلب أموال المواطنين. وخلال سنوات، في عهد يطلق على نفسه أنه "القوي" سقط لبنان في الهاوية، وبات الفاسدون كأنهم يضعون قناع المنقذ.

يأسٌ بيأسٍ، دفع اللبناني إلى استقدام تجربة ولي العهد السعودي وفندق "الريتز" الشهير. وباتوا يحلمون بالصورة نفسها: مجموعة من الزعماء ورجال الأعمال والسياسيين اللبنانيين المنتفعين من المال العام طوال سنوات وشكّلوا ثروة كبيرة، محتجزون في أحد أهمّ الفنادق اللبنانية التي تليق بمستواهم الاجتماعي، وبعد تحقيقات مكثفة تثبت فسادهم، يتنازلون عن الأموال التي تمّ نهبها مقابل خروجهم".

الفنادق متوافرة، والفاسدون حاضرون، يبقى السؤال: من سيؤدّي دور محمد بن سلمان؟ هو حلم لبناني وعربي دخل الوجدان أمام حالة الضعف التي تعتري المواطن اللبناني أو العربي، وعدم قدرته على التغيير، فهو يحتاج إلى قوة تشبه قوة ابن سلمان، وإلى سيف عادل. والعاملان غائبان في لبنان تماماً، إذ لا طبقة سياسية صالحة، لا قضاء مستقل ونزيه، خصوصاً بعدما كشفت التحقيقات في الفترة الأخيرة تورط قضاة بالفساد أيضاً.

"إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد؟"، هي مقولة ذهبية للفيلسوف الصيني كونفوشيوس. ربما تحقيق النموذج الريتزي مستحيل في لبنان، لسببٍ واحدٍ أنه ليست هناك من جهة يمكن أن تكون قادرة على تأدية دور محمد بن سلمان، لكن في الواقع، إن النموذج يمكن تطبيقه بالطريقة اللبنانية، فقبل أن يحددَ ابن سلمان طريقة العلاج، كان اتخذ خياره بالمحاسبة وبعزيمة ومن دون أن يلتفت إلى الوراء أو أن يتأثر بضغوط هنا أو هناك، صنع الحدث.

في لبنان ما يكفي من القوانين تسمح للمواطن بمحاسبة المسؤولين، كالانتخابات النيابية التي تشكّل السلطة التشريعية وتنبثق عنها السلطتان التنفيذية، لكن المعضلة الأساسية أن "القطّ يعشق خنّاقه" فينتخب اللبناني مرة جديدة الفاسد ويوصله إلى السلطة أو يهرب من المسؤولية بالمقاطعة، وهذا ما حصل في انتخابات 2018، كما أن الديموقراطية في لبنان والدستور يكفلان للبناني حق المحاسبة بطرق قانونية، فلِمَ لا يكون كل لبناني محمد بن سلمان؟

في السياسة، الطبقة السياسية الحاكمة لا تحاكم نفسها، فماذا لو خرج منها من يستطيع أن يزجّ الفاسدين في السجون، هل هو قاضٍ أم زعيمٍ أم...؟ ربما تجربة "الريتز كارلتون" لبنانياً وبالطريقة نفسها قد تفجّر حرباً أهلية، في ظل وجود السلاح غير الشرعي كالذي يحمله "حزب الله" ويشكّل الفساد الأكبر... ورغم ذلك تبقى تجربة ولي العهد خياراً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم