الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بدأت أحبك من جديد وهذا سيخيفنا، سيؤلمنا، سيقلقنا

نبيل مملوك
بدأت أحبك من جديد وهذا سيخيفنا، سيؤلمنا، سيقلقنا
بدأت أحبك من جديد وهذا سيخيفنا، سيؤلمنا، سيقلقنا
A+ A-

حين تُقبلين بابتسامتكِ، أشعر أن صدري يتحول لاإراديًا إلى رصيف يحتوي ذاك المقهى الذي ضمّ مواعيد عاشقيْن متحمسيْن لممارسة الحبّ نحتًا ولفظًا. وحين يطرق صوتك باب مسمعي، يُفلتُ الصدى من عدمه فارضًا نفسه كنسمة توقّعَ حقيقة وجودي. أنا الآن طفل لا يحتاج منكِ سوى أن تكوني عطفًا على جملة مفيدة فيها الكثير من الحب، الكثير من الأمومة، والقليل القليل من قهوة أخشى أن يكون هالها مجرّد وهم.

وبعد...

صرتُ أكره الكتابة كثيراً، ربما أناملي باتت تمتلك بصمة صوتية تخوّلها الإنصات لصدى النصوص في صدور القرّاء. صرتُ أتجنّب التفكير، لكن الشعور بأني ابن تائه يخسر أمّهاته على أرصفة الزمن، يجعلني أتخيّل الورقة البيضاء على شكل محيط من الحليب المفعم بمعادن الأمان؛ والسطور أيضاً، السطور التي تكتم الأغنيات التي تثبّتني كأنها خصل من شعر امرأة أحبو كي أتحسّس مسامها. الحب بات مكلفًا في سوق تباع فيه معلّبات الحرب بالمجان. أسأل مرٱتي التي أحملها بين أضلعي: طالما الموت والهروب يتفقان على كرههما كيد الحياة، لمَ الفرار يتنصّل من مهمة الأبوّة؟

هل ينبغي إتمام موتي بلا أبوين؟ والنساء، النساء اللواتي جمعتُهنّ بحرص كما فعلتُ مع الدمى في الصغر، هل يصلح أن يصبحن امرأة واحدة حين بعتها نزوتي، عفّتي، براءتي، غبطتي أن تخونني مع ظلمة عانقت ٱخر دفتر نزفتُ حبي عليه بأمل؟

نعم، منذ 22 عامًا ولدتُ كي أكون ضحية، مفعولاً به، ومفعولاً فيه، والدليل شهرتي الملتصقة كامرأة عقيمة في إسمي، كخيط استهزأ بثوب هجرته دون سبب العطر النسائي فرض عليها وزن المفعول، يسألونني لِمَ لا تكون الفاعل، وحين أجرّ الفعل بقسوة مجروح، مظلوم، مقهور، من زنزانة العدم، يبعثرون انتقامي كبيدر لا يجب أن يولد.

صرتُ أكره محاولاتي، أعلّق ٱمالي وأحلامي على خدّ امرأة يدخل الربيع جوفه ليخرج نبيًّا يبشّر برسالة تقبّله لذاتي كما هي، لجراحي كما هي، لأخطائي الصامتة أعلّق آخر أغنية.

وحقيبتي التي اعتنقت صوت شيرين عبد الوهاب، وقصيدة أنسي الحاج، وغيبوبة الخروج من ريم، وخلافاتي والاتهامات والمحاكمات، كلها وكلّني، ننتظر في محطة الدهر لينتهي الحوار القائم بين سكك الأمل وقطار الفشل.

في هذا الوقت سأقول إني أكتب هذا النص وأنا أستمع إلى جوليا بطرس التي كرهتها، وكرهتني، يا ترى هل أخون نفسي بعدما تخلّيت بفضل امرأة عن الشعر لصالح النثر، وعن الحب لصالح الهجر، والبحث عن السوى؟ نصّي هذا محطة لا أستطيع إغلاقها، هاتوا امرأة جديدة، هاتوا موتاً، هاتوا مفتاحًا، قفلاً، هروبًا، وظيفةً، مركزًا، حفل تخرجي بعد غد، انطفأ مرة ثانيةً بعد العشرين، "لا بأحلامك... لا بأوهامك"، تقولها بسخرية السماء، لكن ستأتي النجوم، سيأتي المساء، سيأتي المساء، سيأتي من يعصر الأمس ويسحقني ويسحق كل هذه الأسماء؟

هذيان الولادة

صرتُ أخجل من الورق، لكنّ فراغ الوقت يورّط أناملي بارتكابك كخطيئةِ شغف على جبين ذاكرتي سفرك هذا، وافتقاد المدينة لنسماتها قد أوجد صمتًا يظنّه الناس تقبلاً وقبولاً وتسليمًا.

أتعرفين مذ قبلتِ أن تكوني أمي بدأت أحاول المشي وأقع، بدأ جلدي يستعيد صوابه، وبدأ كفي يستأنس مع ماضيه مسترجعًا عناق يدينا المسمى مصافحة. بدأت أحبك من جديد وهذا سيخيفنا، سيؤلمنا، سيقلقنا، لكن سيجعل من موت هذا النزاع كتابًا يقول إن صوراً باتت بغيابك نخلة خبّأتها في صحراء جلدك الغجري.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم