الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صراخ أطفال، وحقن للعلاج: اللشمانيا تنهش أجساد الصغار والكبار في شمال سوريا

المصدر: "أ ف ب"
صراخ أطفال، وحقن للعلاج: اللشمانيا تنهش أجساد الصغار والكبار في شمال سوريا
صراخ أطفال، وحقن للعلاج: اللشمانيا تنهش أجساد الصغار والكبار في شمال سوريا
A+ A-

داخل مستوصف في بلدة ريفية شمال #سوريا، يعلو بكاء طفلة صغيرة. وعبثاً يحاول والدها أن يثبّت رأسها لمنعها من الحركة، بينما يحقن ممرض تقرحات تغطي أنفها من جراء اصابتها بداء #اللشمانيا الذي ينهش أجساد الصغار والكبار.

يتوزع المرضى في مستوصف بلدة الكرامة في الريف الشمالي لمحافظة #الرقة بين غرف مظلمة تفوح منها رائحة رطوبة مزعجة. ويعلو صراخ أطفال، بينما يحاول آخرون الافلات من ذويهم، خوفاً من الحقن، والدموع تنهمر على وجوههم المكسوة بالتقرحات، بينما ينتظرون أن يحين دورهم لتلقي العلاج.

لا تتوقف الطفلة التي لم تبلغ العامين بعد عن البكاء. يضع والدها يده على رأسها أثناء حقنها، ويعدها بشراء كيس من البطاطس المقرمشة لارضائها فور الانتهاء.

واللشمانيا مرض طفيلي ينتقل عن طريق لدغات حشرة صغيرة صفراء تعرف بـ#ذبابة_الرمل، تتنقل ليلاً من دون أن تصدر صوتاً. وقد تلسع الشخص من دون أن يشعر بها. ويتم علاجه عبر حقن الحبوب أو التقرحات التي يسببها في شكل دوري لفترة زمنية محددة.

في ردهة المستوصف، تنتظر شذى العمر (15 عاماً) مع شقيقتها لتلقي العلاج أيضاً. وتقول المراهقة المتشحة بنقاب أسود لا يظهر سوى عينيها لوكالة "فرانس برس": "أنا مصابة في قدمي، بينما يوجد في وجه أختي 11 إصابة (تقرحاً)، وأخي مصاب في عينه".

وتمد سيدة رجلها على سرير نقال، بينما يحقن الممرض التقرحات الواحدة تلو الأخرى. ويبدو بعض أطفال أنهم معتادون على العلاج، فيتلقون حقنهم بهدوء، ثم يثبتون القطن على وجوههم من دون ابداء أي رد فعل.

وهذا الداء هو من الأمراض المنتشرة أساساً في سوريا. لكن سنوات النزاع الثماني فاقمت الوضع، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. وتضاعفت حالات الإصابة به منذ عام 2010 حتى عام 2018 إلى أكثر من 80 ألفاً.

وتم تسجيل الكثير من هذه الإصابات في مناطق شمال سوريا وشمال شرقها، شهدت معارك شديدة لطرد تنظيم "الدولة الإسلامية" منها، وفقا للمنظمة.

وشهدت محافظة الرقة، وفقا للمتحدث باسم المنظمة في سوريا يحيى بوزو، ارتفاعاً في إصابات اللشمانيا عام 2018 لتصل إلى 6791 حالة، قبل أن تتراجع العام الجاري مع تسجيل 679 اصابة حتى الآن.

وتشير المنظمة إلى أن أحد أخطر عوامل انتشار اللشمانيا في المحافظة هو المنازل الفقيرة ونظام الصرف الصحي السيىء، بما في ذلك النقص في الامدادت المناسبة لإخراج الفضلات، فضلاً عن انتشار فضلات الحيوانات، وهو ما يشكّل بيئة حاضنة للذبابة الناقلة للداء.

ويتكاثر هذا الصنف من الذباب مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصلي الربيع والصيف. ويقول بوزو: "إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة الآن، فمن المرجح أن يرتفع عدد الحالات" خلال النصف الثاني من العام الجاري.

وعمدت المنظمة إلى تدريب كوادر طبية في الرقة لمواجهة الارتفاع الحاد في اللشمانيا، وهي تقدم حالياً الدعم الى ستة مراكز طبية، بينها مستوصف الكرامة.

تحضر وضحى الجراد (55 عاماً) مسرعة الى المستوصف للاستفسار عن كيفية علاج هذا المرض. وتقول لـ"فرانس برس": "زوجي عجوز مصاب بيده، لم نعالجه حتى الآن، ودائماً ما يحك إصابته حتى يخرج الدم منها". وتضيف: "أحفادي مصابون، وزوجة ابني أيضاً. لا نستطيع النوم ليلاً من كثرة الذباب".

ويبرّر المسؤول الاداري في مركز الكرامة الطبي يونس النعيمي انتشار المرض بـ"المستنقعات والرطوبة وقرب البيوت من الأراضي الزراعية وانتشار النفايات".

واستقبل المستوصف، على ما يشرح لوكالة "فرانس برس"، منذ نيسان 2018، أكثر من 4 آلاف إصابة باللشمانيا من بلدة الكرامة والقرى المحيطة بها وحدها.

ويرجح النعيمي ارتفاع عدد الإصابات نتيجة انعدام الوقاية، مشيراً إلى أن البعض "يأتي فوراً بعد اكتشاف الإصابة. إلا أن آخرين لا يهتمون، حتى تستعصي الاصابة، ويصبح العلاج أصعب، ويحتاج وقتاً أطول". ويؤكد ان "العلاج متوفر، لكن الوقاية هي الأهم".

ويضيق المستوصف بالوافدين لتلقي العلاج. تمد سيدة يدها للممرض، ثم تغلق عينيها الظاهرتين من خلف نقابها الأسود، وتشد عليهما من شدة الوجع أثناء حقنها. قربها، عجوز يغطي رأسه بكوفية حمراء وبيضاء، ينتظر دوره لمعالجة رجليه المصابتين.

ويكثر في منطقة الكرامة الريفية انتشار الذباب الذي يحوم فوق النفايات المنتشرة بين منازل متواضعة، لا يزال بعضها يشهد على أثار المعارك بين قوات سوريا الديموقراطية وتنظيم "الدولة الإسلامية".

وتعاني المنطقة، وفقا لسكان، إهمالا ونقصا كبيرا في الخدمات، إضافة إلى عدم إزالة النفايات في شكل مستمر.

خلال انتظاره تلقي ابنته للعلاج من اللشمانيا في المستوصف، يقول حسين حمود (50 عاماً) لـ"فرانس برس" إن المسؤولين المحليين "رشوا المبيدات مرة واحدة فقط داخل البيوت منذ فترة طويلة، ولم يكرروا الأمر لاحقاً". ويضيف: "لا أحد اهتم لأمرنا (...) لو كان هناك حد أدنى من الاهتمام، لما كان حصل ما حصل".

في قرية جديدة البلدية القريبة، يتابع تلامذة الدروس في إحدى القاعات، بينهم تلميذان على الأقل تظهر على وجهيهما إصابة اللشمانيا.

ولا يقتصر الأمر على الأطفال، فمدرستهم مصابة أيضاً، وكذلك مدير المدرسة عبد زين المرعي (26 عاماً) الذي يكشف رجليه لتظهر بقع حمراء منتشرة عليهما.

ويقول لـ"فرانس برس": "في جسدي 15 لسعة، وما زلت أتلقى العلاج"، محصياً إصابة 35 إلى 40 تلميذا في المدرسة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم