الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"النّوم مع العدو" معرض جماعي... استفزاز، مشاكسة وسخرية طفولية لئيمة

المصدر: "النهار"
"النّوم مع العدو" معرض جماعي... استفزاز، مشاكسة وسخرية طفولية لئيمة
"النّوم مع العدو" معرض جماعي... استفزاز، مشاكسة وسخرية طفولية لئيمة
A+ A-

المفارقة الأولى الّتي تواجهنا في المعرض - المشغل الجماعي للفنانين سمعان خوّام، غيلان الصفدي وفادي الشّمعة، تكمُن في العنوان؛ فنحنُ أمام عنوان مستفزّ ومشاكس، يترافقُ مع صورة تعبيريّة طفوليّة ساخرة ولئيمة.

بهذا المقدار من العبثية والسخرية والألم تنطلقُ فاعليات المعرض (المشغل) الجماعي في 18 نيسان الجاري في غاليري كاڤ - الأشرفيّة.

بطريقة عجيبة وغرائبيّة، يجتمع هذا الثلاثي الفنّي في مشغل واحد، تحت سقف واحد، وظروف واحدة، ليرسموا جنباً إلى جنب، بعدما كان كلّ واحد منهم يبدعُ ما يشاء في زاويته الخاصة ويأتي لعرضه في معارض مشتركة. هذه المرة الأمر مختلف، والاختلاف مقرون بالسؤال: ماذا بعد؟ ولماذا لا نجرّب القيام بشيء جديد من شأنه كسر الأنا - الإيغو لكل واحد منا؟ سؤال واحد وخاصّ بكلّ واحد منهم.

الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المشغل هي كيفيّة دمج ثلاثة أشخاص، كلّ واحد منهم ينتمي لخلفيّة ولمكان؛ كيف بإمكانهم أن يكونوا موجودين في نقطة واحدة شرط الاتفاق على الأساس وهو الفنّ؟ هذه الفكرة تنطلق ليتمّ تعميم نتائجها في ما بعد على المجتمع المختلف المتنوّع والمتشعّب.

غيلان الصفدي، فادي الشمعة وسمعان خوّام اجتمعوا وتمّ عقد اتفاق قانونيّ بينهم ينصّ على تفاصيل هذا المشغل (المعرض). أوّلها أن تكون أسعار اللوحات في المعرض موحّدة، ففي تجارب سابقة كان لكلّ منهم سعره الخاصّ، أما اليوم فاللوحات أسعارها موحّدة.

إذاً، يقفُ الزائر والمتفرّج أمام اللوحة ويقتنيها لفنّها ولإيمانه بها ذوقيّاً وليس لسعرها؛ بهذه المبادرة تكون قد ألغيتَ من ذهن المتلقّي فكرة السّعر وأصبح مجبراً على إعطاء اللوحة قيمتها كعمل فنيّ.

والأبعد من ذلك كلّه، والأهمّ، هو تفعيل الشراكة - التضامن solidarité))، حيث نصّ العقد بينهم على تقاسم المبيع على الأطراف الثلاثة من أجل حماية كلّ واحد منهم بهذه الطريقة. إذاً الأسعار موحّدة، والأرباح مقسّمة بالتساوي.

لا شكّ أن الفكرة ستغيّر شيئاً في نفس كلٍّ منهم كفنّان، وأيضاً في نفس المتلقّي. ما هو هذا الشيء، وما الذي سيتغيّر؟ لا نعلم.

لا يمكن أحداً أن ينكر مدى الشجاعة التي يتحلّون بها لخوض مثل هذه التجربة. هي شجاعة فائقة ناجمة عن رؤيةٍ وتوقٍ لمعرفة ماذا بعد؟

ماذا بعد اللوحة والشِّعر؟ يقول سمعان. ماذا بعد الحرب؟ يقولُ غيلان. ماذا بعد الإيغو والاعتداد بالنفس؟ يقول فادي.

أحوال ومشاهد

يضع هذا الثلاثي نفسه عارياً أمام المتفرّج، عارياً من سيجارته وهمومه وهواجسه، ومن كأسه أيضاً. يتخلّى عن مملكته ويدخل في حالة تصادم مع قرينه في المشغل، ومع المتفرّج الواقف فوق رأسه.

هذه الجماعة الفنيّة الخارجة عن الأطر والبروتوكولات، يحلو تسميتها بـ"الصعاليك"، تهدفُ من خلال هذه اللفتة إلى القول بضرورة وجود أسس وقواعد ولو بسيطة يلتقي ويُجمع عليها الكلّ. لا بدّ من وجود ولو قاسم مشترك واحد يبدأ بالفنّ ولا ينتهي بالمجتمع بأكمله.

إذاً، نحن أمام معرض فنيّ يقام بهدف وخلفية سامية واجتماعية. لا بدّ أن يتخلّى كلّ فنّان عن حماية منتوجه، وأيضاً لا بدّ من أن يرى أنّ العمل له علاقة بمشاكله مع المجتمع. على سبيل المثال لا الحصر: الأعمال الفنيّة والقصائد والأجواء الثقافية المترافقة مع حركات تحرريّة عدّة كثورة الأرز، مروراً بما يسمّى "الربيع العربي"، وصولاً إلى يومنا هذا حيث سيطرة الإيديولوجيّات الدينية المتشددة وما إلى ذلك، كلُّ هذا لم ينفصل عنه الفنّ بل كان في خضمّه.

العقد الذي تمّ توقيعه بين الفنانين الثلاثة هو بحدّ ذاته ترميز لعقد اجتماعيّ. توزيع المبيعات على ثلاثة تؤكد ضرورة التعاضد والتضامن خصوصاً في مجتمع يعيش فيه الفنّان في صراع دائم مع محيطه ومجتمعه وأهله؛ هذه البيئة التي غالباً ما تكون غير مهذبة، وبالنتيجة الفنّان غير محميّ.

من الداخل

الشخص الداخل إلى المعرض ستعترضه منشورات عليها قوانين المعرض وسِيَر شخصيّة للثلاثة. قبل الدخول، لا بدّ للزائر من قراءة النصّ وفهمه لمعرفة كيفية التعاطي مع المعرض ككلّ، ومع كل لوحة على حدة.

سترافق الزائرين في تجوالهم رندا غجر، مديرة غاليري كاڤ، التي وافقت على الفكرة وتبنّتها، في الوقت الذي تسعى محترفات وغاليريات أخرى إلى تحصين التابوات وحماية اللوغو الخاص بكلّ فنان، لأنهم ببساطة يرونَ اللوحة بعين ماديّة ليس أكثر.

يَفتحُ المعرض أبوابه في 18 نيسان الجاري من الساعة الحادية عشرة صباحاً، ويستمرّ حتّى 9 أيار، أي لمدة ثلاثة أسابيع متتالية دون توقّف. ومن ضمن نشاطات المعرض أيضاً إقامة أمسية قراءات شعريّة في أواخر نيسان الجاري، تشارك فيها مجموعة من الشعراء الشباب منهم: باسكال صوما - باسل الأمين - زاهر مروة - محمود وهبة وغيرهم.

وفي 9 أيار، أي النهار الختامي، سنكون أمام محصّلة جماليّة فنيّة مهمّة. وأمام محاولة لجمع لوحات للثلاثي في إطار واحد. بالطبع اللوحات داخل هذا الإطار مختلفة، لكن يجمع بينها خيط رفيع من اللون أو الهمّ أو الرؤية أو الفوضى...

بعد المعرض ستبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة البناء، حيث شكّل المشغل هذا عمليّة هدم للموروث المتّبع، ستتوالى بعده المعارض المشتركة التي ستسيرُ على الوتيرة نفسها، والتي ستتوزع على مختلف المناطق اللبنانية، طبعاً من دون أن ننسى الفكرة الأساسية وهي التضامن.

ومن المتوقّع أنّ اللوحات التي ستنجم عن المعرض ستأخذ حقّها مضاعفاً، لأنها بنتُ فكرةٍ وهدفٍ ورسالة، وبنتُ الفنّان الذي سيظهر أمامنا عارياً من ملكوته يرسمُ ويخرطش دون حرج. ثلاثة أسابيع حافلة بالتحديات الشخصية والنفسية والسلوكيّة سيواجهها كلّ منهم في تجربة أولى حسيّة وملموسة ومقلقة لدرجة أنّ أحداً منهم لم يرسم أيّ شيء منذ ولادة فكرة المعرض هذا، أي منذ شهرين تقريباً.

هذا العمل الغرائبي والمشاكس يليقُ بهذا الزمن ويتماشى معه. سنكون أمام مشاهد مضحكة مبكية متجانسة ومتباعدة، كلّها وليدة الفكرة والهدف.


فادي الشمعة

مواليد بيروت 1960. عصامي يشتغل ويعيش في بعبدات. فادي فنّان يشتغل بتقنيات وصور غير نمطية، يجمع بين اللعب والبحث اليومي عن الجديد، ليعطي كل سلسلة أعمال معالجة خاصة بها، تسيرُ على خيط رفيع بين التجريد والواقع، المكشوف والمستور، العاقل والمجنون. تتميز أعماله بوضع المُشاهد في واقع حسّي وبديهي.

غيلان الصفدي

مواليد السويداء 1977. متخرّج من معهد الفنون الجميلة في دمشق. يعيش ويشتغل في بيروت. مهارات غيلان تبدأ بالرسم والحفر والطباعة وصناعة المريونات للمسارح. أعماله تسائل ضعف ورقّة الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه، ما يولّد لا محالة اليأس والفوضى.

سمعان خوّام

مواليد 1974 في دمشق. يعيش ويعمل في بعبدات.

سمعان خوّام فنان متعدد الموهبة. رسّام ونحّات وشاعر. فنان غرافيتي مواضيعه مستوحاة من حياة المدينة التي يعيش فيها. أعماله تضيء على التناقضات في السياسة، العدالة الاجتماعية ونقص الحبّ والثقافة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم