الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قصّةُ خلقِ نفسِك

المصدر: النهار
فاطمة سليمان
قصّةُ خلقِ نفسِك
قصّةُ خلقِ نفسِك
A+ A-

كأنّ القوّة في مسار الفعل تشقّ الضّرورةَ، فالمدّ إن لم يقم بالجزرِ لهو فناءٌ، وكأنّ البَريمَ كُلّما حاولتَ حَلّهُ، رمّدَهُ فينيقٌ بشعلةِ أبولون. كلّما حاولتَ البناءَ توهّمتَهُ ولفحتكَ هياجرُ السّراب. كلّما حاولتَ الإصلاحَ والتّجميع حففتَ نفسكَ بكهفِ شاكال وحضنتَ الجمجمةَ العتيقة الأولى الّتي حطّمتها لِظنِّكَ أنّ موتكَ بناء، ثمّ تنشّقتَ الشّمع المحترق وابتلعت الشّمعدان كي تخفي آخر أثرٍ للضّوء.

في آخرِ النّفقِ قبرٌ يُهلّلُ مفتوحًا تحنّطت أوصال موتاه وخفّت أنفاسُ سجّانه الأخيرة، في نواة الأرضِ الّتي لم ينقّبوها بعد، يرقد نرسيس ينظر إلى انعكاسِ احتراقه الأشيب بعد إتمام دورة الأرض الثّانية منذ نشوئها.

في سُدرةِ المنتهى يشقّ الإله بطنَ آخر ضحاياهُ ويرميهِ إسبارطيًّا لتمسّدهُ عشتار وتطرحهُ في آخر النّفق الّذي حدّثتكم عنهُ، ليرقدَ في القبرِ الأجوف، ناقلًا وجوديّته من القوّة إلى فعلِ العبث، بيد أنّ العبث سببٌ لوجوديّة الزّنيم المفقوء العين.

كلّما حاولتَ وضعَ إصبعكَ على مبعث النّور تراءى أمامكَ أمران، فأمّا الأوّل وهو إغلاق فسحة النّورِ وطمسِها وهذا شائع، غيرَ أنّ الثّاني هو إشباعُ نفسكَ بهذا النّور ثمّ شحنها لتضيء بكلّك وهذا نادر، لأنّ الضّوء مهما بلغ أوجه لا يقوى الأعمى على رؤيته، والمبصر لا يرى النور الّذي قام إصبعك الملعون بطمسه. وجودك لم يتمخّض بسببه الإله ولم تتفجّر بسببه (كن). بل نتج كحصيلةٍ لتلاقح الفكرِ العلويّ اللّاملموس والفكر الأدنى الملموس، ما نجمَ عنهُ وضعيّةٌ لقوى متنمّرة فسّرت الوجودَ تبعًا لخبطِ تفكيرٍ ترتّبَ بعدَ اللّقاحِ القويّ، الّذي أحدث شرخًا بالوجودِ المحض وتصلّبًا للعبثِ الوهم، وثلمًا لمجرياتِ النّورِ في تسرّبها من أوردةِ الضّخّ الرّئيسي..

الفهمُ الخاطئُ جدّ شائع، ونرسيس كائنٌ متواضعٌ لأنّه لم يرضَ بنفسه فقط بل أرادَ المِثل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم