قصة رجل تحول من "نسونجي" إلى عبقري بشكل مفاجئ!

جيسون بادجيت هو رجل يعشق مادة الرياضيات لكنه يختلف عن كثير من محبي هذه المادة، إذ إنه يستخدمها في كل تفاصيل حياته، لدرجة أنه يغسل أسنانه يومياً وفقاً لمعادلات رياضية محسوبة، إذ يلتزم بفتح المياه ووضع فرشاة الأسنان في الماء 16 مرة. لدى بادجيت قدرة فائقة على فهم المعادلات الرياضية المعقدة وحلها بطريقة سريعة، كما أنه أصبح معروفاً بالذكاء الخارق ويشتهر بأنه يتمتع بموهبة كبيرة في رسم الأنماط الهندسية المكررة. لكن هذا الرجل ليس كما تتوقعون، فهو لم يكن عبقرباً منذ صغره ولم يكن يحب الرياضيات في مدرسته، إذا أنه منذ 17 عاماً، كان مندوب مبيعات سابق لإحدى شركات صناعة الآرائك، ويعيش حياة مختلفة تماماً في مدينة تاكوما بولاية واشنطن. ويصف نفسه بأنه كان سطحياً للغاية، لا شيء كان يشغل باله سوى ملاحقة الفتيات والحفلات، وشرب الخمر. كما أنه كان دائماً يعتبر مادة الرياضيات لا جدوى منها ولا تطبق على أرض الواقع.

حياة بادجيت تغيرت وانقلبت رأساً على عقب تحديداً بتاريخ 13 أيلول 2002، عندما تعرض لهجوم من رجلين، حين كان واقفاً مع أصدقائه خارج إحدى الحانات، وسرقا سترته الجلدية المهترئة. ويقول بادجيت لـBBC: "سمعت صوت ارتطام عندما ضربني أحدهما على رأسي من الخلف، ورأيت وميضاً أبيض يشبه وميض الكاميرا عند التقاط صورة، وكل ما أتذكره أنني سقطت على ركبتي وشعرت بدوار شديد، ولم أعرف أين أنا أو كيف وصلت إلى هناك". ونُقل بادجيت إلى مستشفى حيث قال له الأطباء إنه أصيب بارتجاج في المخ ونزيف كلوي إثر لكمة تلقاها في بطنه. كانت إصابة الدماغ شديدة إلى حد أنها سببت له اضطراب الوسواس القهري. وزاد خوف بادجيت من العالم الخارجي يوماً بعد يوم، ولم يعد يغادر منزله إلا لشراء كميات من المواد الغذائية لتخزينها. ويقول بادجيت: "أتذكر أنني كنت أغطي النوافذ في المنزل بالبطانيات والمناشف، وكنت أستخدم بخاخ الرغوة لسد جميع المنافذ حول الباب". وكان ينتاب بادجيت خوفاً غير مبرر من الجراثيم، تأثرت ابنته من تبعاته أثناء إقامتها معه لحين البت في قضية الحضانة التي رفعتها شريكة حياته السابقة. لكن بالإضافة الى وسواس النظافة، حدث شيء عجيب آخر، إذ أصبح جيسون يرى كل شيء بصورة مختلفة.

ويقول بادجيت: "كنت أرى الأشكال المنحنية كأنها صور مشوشة تظهر فيها النقاط الضوئية بوضوح. وكانت المياه المنسابة تبدو وكأنها خطوط ولم يختلف الأمر مع السحب وضوء الشمس. وبدأت تراوده أسئلة عديدة في الرياضيات والفيزياء، ومن ثم بحث عن إجابات على شبكة الإنترنت، الذي كان مصدره الوحيد للمعلومات أثناء عزلته. وقاده البحث إلى صفحة على الإنترنت عن الأنماط الهندسية التي تعرف باسم "الكسيريات"، وتعد الكسيريات من المفاهيم الرياضية الصعبة، وليست مجرد أنماط هندسية مكررة في الشكل الواحد. وأثارت هذه المفاهيم فضول بادجيت، لكنه كان يعجز عن وصفها بالكلمات فبدأ برسمها. وفي إحدى المرات النادرة التي خرج فيها من منزله، قادته المصادفة إلى لقاء عالم فيزياء لاحظ دقة رسومات بادجيت. وعندما سأله عنها أجابه بادجيت أنه يحاول وصف (الفضاء الزماني والمكاني رباعي الأبعاد)، استناداً إلى نظرية الثقوب السوداء، ووحدة القياس التي تعرف باسم "طول بلانك"، والتي طورها عالم الفيزياء ماكس بلانك.

أدرك عالم الفيزياء المفاهيم الرياضية المعقدة التي يرسمها بادجيت، ونصحه بالانضمام إلى دورة لتعلم الرياضيات، وهذا ما شجع بادجيت على التسجيل في إحدى الجامعات الأهلية التي ساعدته على التعبير لفظياً عن المفاهيم والقوانين الرياضية التي يعشقها. توصل بادجيت إلى معلومات عن عالمة الأعصاب المعرفي بجامعة ميامي، بيريت بروغار، وتحدث معها لساعات عبر الهاتف. وشخّصت بروغار حالة بادجيت بأنه يعاني من تداخل الحواس أو ما يسمى باضطراب التكامل الحسي، بسبب وجود اتصال عصبي بين مناطق الدماغ التي لا تتصل ببعضها في المعتاد. ويعاني من هذا الاضطراب نحو أربعة في المئة من سكان العالم، إذ قد يرى المصابون ألواناً معينة عندما يسمعون موسيقى أو يشمون رائحة شيء غير موجود عندما تتنابهم مشاعر معينة. وترى بروغار أن بادجيت أصيب باضطراب تداخل الحواس بسبب إصابة الرأس التي تعرض لها، ولهذا تثير بعض المشاهد أو الروائح أو غيرها من المدركات الحسية لديه صوراً لصيغ رياضية أو أشكالاً هندسية تتجسد في ذهنه أو تتمثل أمام عينه. ورأت بروغار أن بادجيت أصيب بمتلازمة العبقرية المكتسبة بسبب هذا الاضطراب.

نشر بادجيت كتاباً عن تجربته بعنوان "عبقري بلا مقدمات"، وسافر حول العالم ليحكي للناس قصته ويلقي محاضرات عن الرياضيات. وأسس شركة "أوتلايرز"، لإنتاج أفلام عن الأشخاص الذين مروا بتجارب نادرة أو مثيرة غيرت حياتهم. ويبيع أيضاً لوحات الأنماط الهندسية المكررة التي يرسمها بيديه.