الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

تفككت العظام وهنّ على قيد الحياة... هذه قصة "فتيات الكناري"!

جاد محيدلي
A+ A-

قصص غريبة تترافق دائماً مع الحروب والمعارك، فكيف إذا كانت حرباً عالمية مجنونة؟ فبالعودة إلى الحرب العالمية الأولى برزت قصة فتيات الكناري، التي بدأت عندما كان البريطانيون يواجهون مشكلات في إنتاج كمية الأسلحة والذخائر التي تحتاجها القوات المسلحة، فأقرت الحكومة البريطانية قانون ذخائر الحرب في عام 1915 لزيادة الرقابة الحكومية وتنظيم الصناعة. كما وُضعت المصانع تحت السيطرة المشددة لوزارة الذخائر التي نظمت الأجور وساعات وظروف العمل، وحظرت الإضرابات، ومنعت العمال من ترك وظائفهم دون موافقة صاحب العمل. كما أرغم القانون استخدام النساء في المصانع، بسبب نقص الرجال الذين كان معظمهم يقاتل في الحرب.

لم تستلم النساء وظائف خفيفة وسهلة وبسيطة، بل كان عملهن خطيراً جداً، إذ إن كثيراً ما كانت مصانع الذخائر هي الهدف الرئيس للعدو، بالقصف الروتيني، بالإضافة أيضاً إلى خطر الانفجارات. وفي هذا الإطار، قالت الباحثة إيمي دايل، لـBBC: "في هذه المصانع يأخذون غلاف الذخائر، ويملؤونه بالمادة المتفجرة، فإذا ضغطوا بدرجة أقوى عن الطبيعي، ينفجر، وحدث هذا لسيدة كانت حاملاً في ذلك الوقت، فأُصيبت بالعمى وفقدت كلتا يديها"، مضيفة: "حُظر ارتداء الملابس النايلون والحرير لأن هذه المواد تولّد الكهرباء الساكنة التي يمكن أن تنتج الشرر، ومن ثم تؤدي إلى الانفجارات، وكان على النساء التعري يومياً للتفتيش من أجل التأكد من عدم ارتدائهن هذه المواد، بالإضافة إلى خلع حمالات الصدر، التي تحتوي على مشابك معدنية وإزالة دبابيس الشعر".

وعلى الرغم من كل هذه التأمينات، الا أن عدة حوادث متفجرات حصلت أدت الى مقتل العديد من العاملات أو إصابتهن بشكل خطير، ووقع تقريباً ما لا يقل عن 3 انفجارات كبرى أدت الى مقتل أكثر من 300 عاملة، وإصابة مئات آخرين، بالإضافة الى أن التعرض المستمر للمواد الكيميائية السامة خلق الكثير من المشاكل الصحية الخطيرة والمميتة، بحيث تعاملت العديد من النساء مع مادة "TNT"، التي تستخدم في صنع المتفجرات، وكوقود دافع في الخراطيش، حيث تحتوي في صنعها على مواد خطيرة مثل حامضي الكبريتيك والنيتريك، وكانت الأبخرة المتصاعدة منها تحوّل جلد وشعر النساء إلى لون أصفر، ولهذا السبب أطلق عليهن لقب "فتيات الكناري". وكتب عن هؤلاء الفتيات مؤلف سلسلة "شرلوك هولمز" الشهيرة، عندما زار مصنع الذخائر في 1916، قائلاً: "أولئك الفتيات المبتسمات اللواتي يرتدين ملابسهن، ويصنعن عصيدة الشيطان، واضعات نصب أعينهن حقيقة أنهن سينفجرن إلى ذرات في لحظة إذا حدثت بعض التغيرات الصغيرة". وكان مصنع غريتنا، في جنوب أسكتلندا، هو أكبر مصنع في العالم وُظفت فيه 12 ألف فتاة.

كان هناك مخاطر صحية أكثر خطورة من العمل في مصنع TNT، فالمادة سامة للكبد، ويسبب التعرض لها لفترات طويلة فقراً في الدم واليرقان، ما أعطى الجسم لوناً أصفر غريباً. وسُجل نحو 400 حالة من حالات اليرقان السام بين العاملات في مجال الذخائر في الحرب العالمية الاولى، منهن 100 حالة قاتلة، وأفادت بعض العامالات عن تفكك العظام وهن على قيد الحياة في وقت لاحق. يشار أيضاً الى أن العديد من النساء المصابات أنجبن أطفالاً بنفس اللون الأصفر، وأُطلق عليهم لقب "أطفال الكناري"، وهناك متحف الآن بالقرب من مدينة غريتنا يصف تاريخ المصنع، ويسلط الضوء على الدور الذي لعبته المرأة في الجهد الحربي، ويدعى متحف "عصيدة الشياطين".



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم