الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

يا علي

المصدر: "النهار"
غسان حجار
غسان حجار @ghassanhajjar
يا علي
يا علي
A+ A-

(الى نسرين وسعد ميتا في مصابهما الأليم)

أذكر أنّ صديقتي الحلوة جيلار، توفيت قبل أعوام، على سريرها في المستشفى، وهي تكرّر الاتصال بي لتودعني، ولم أكن أجيب. كانت حزينة وكنت حزينا ايضاً. لم أشأ أن اشاهدها في ايامها الاخيرة، وقد نحل جسمها وآلت الى ذوبان، بل اهتراء بعدما نهش جسمها المرض.

اليوم أقف في الموقف الصعب نفسه، أمام صديقين أفنيا العمر لوحيدهما الذي رحل قبل ايام. لم أكن على معرفة حقيقية به، لكني كنت أشاهده في بريق عيني نسرين، وفي ابتسامة خجولة ترتسم على شفتي سعد عند الحديث عنه. كان لهما الحياة، والامل، والمستقبل. كان الضحكة والضجة والفرح. وحل القدر. ولا افهم ما هو القدر. ربما هو اللعنة باسم مستعار. ليس الموت المؤلم ارادة الله، كما يحلو للناس القول في التعزية. "الله اعطى والله أخذ"، عبارة غير مقنعة. فلسفات بشرية تحاول أن تستر عرينا في تلك اللحظات المأسوية التي لا نجد لها تفسيراً، فنلصقها تارة بالقدر، وأحياناً أخرى بمشيئة الرب. هذا ليس ربي الذي يأخذ. لا أعرفه، ولا أريده. الهي اله عطاء. اله حياة. اله فرح. اله افتدانا على الصليب كي لا يهلك كل من يؤمن به. اله محبة يزرعها في قلوب الناس. اله رحوم، شفوق، غافر لخطايانا. ليس حتما اله العهد القديم، اله الحروب والقتل والدمار، اله ينصر شعبا على اخر ويبيده.

قبل أيام. وفي منتصف الليل. وفيما اتصفح "فايسبوك"، ارتعش جسمي، وارتبك عقلي، وازدادت نبضات قلبي بطريقة مزعجة. انه علي ميتا. الشاب الذي لم يبلغ العشرين بعد. وحيد والديه. قضى في حادث سير. وها هي نسرين اسمع صوتها وبحتها ترجوه ان يستيقظ. ان يرمقها بنظرة. ان يتفوه بكلمة. ان يعيد نشر صورة للعائلة ويكتب عليها اجمل العبارات كما كان يفعل. لكنه لم يستجب. ولن يستجيب الا في الأحلام، الموجعة، المؤلمة، الحارقة. وقد تصعب الأحلام اذ كيف تأتي مع عدم النوم في الليل الحالك الطويل.

مضت أيام، وأنا اتهيأ للاتصال اولاً، ثم للزيارة وتقديم واجب العزاء ثانياً. ما ابشعه هذا الواجب! العزاء، كلمات معسولة يكرّرها الناس على مسامع الاهل. لكن ما العمل؟ وحده الضجيج الذي يولده حضور الناس يلهي بعض الشيء، ولوقت محدود جداً.

ماذا يقال للقلب المنكسر الى هذا الحد؟ صديقتي نسرين وجدت في علي الابن، تعويضاً عن علي الوالد الذي فقدته باكراً، فتركت الماضي الى مستقبل مشرق لم يكمل مساره.

مضت أيام، ولم اجد بعد الكلمات المعزية. ربما يجد الانسان المتألم ضالته في الله، معزي القلوب، في سكون الليل، مع الموسيقى الراقية، تحمله الى خارج هذا العالم الارضي. ربما يجد في التأمل شفاء لجروحه العميقة. وربما يفيده وجود الاصدقاء من حوله. كلها نظريات ربما تساعدنا في لقاء وجه من نحب كل صباح ومساء.

علي. سيذكرك اهلك في كل يوم. وسيذكرك أصدقاؤك الذين احبوك بصدق. وتذكرك الراهبات الانطونيات في زحلة متخرجا متميزا. فالصديق يدوم ذكره الى الابد على قول الكتاب المقدس.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم