الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كم أنا حزينٌ لحزنكَ الموجع يا كوبر!

عقل العويط
كم أنا حزينٌ لحزنكَ الموجع يا كوبر!
كم أنا حزينٌ لحزنكَ الموجع يا كوبر!
A+ A-

مساء أمس 4 نيسان 2019 عاد كوبر إلى البيت بعدما أمضى ثلاثة أيام بلياليها في مستشفىً بيطريٍّ خاصّ، إثر إخضاعه لعمليّةٍ جراحيّةٍ دقيقة في الركبة.

تربطني بطبيبه علاقةٌ تعود ربّما إلى أربعين عامًا مضى، ربّما أكثر، حين كان طفلًا، وكانت تشدّني إلى والدَيه وشائجُ وثيقةُ الصلة بصداقتهما مع شقيقتي الراحلة، وعائلتها.

هو، أي الطبيب، تعاطى مع المسألة باعتبارها – لا محضَ أمرٍ طبيٍّ فحسب، بل قضيةً "عائليّة"، إنسانيّةً وعاطفيّة.

لم أتردّد في الموافقة على إجراء الجراحة، بعدما أكّد لي الطبيب أنّها لازمة، ولا بدّ منها، لئلّا تتفاقم الإعاقة. فخضعتُ.

لكنّي خضعتُ مرغمًا لهذا الخيار، وعلى مضضٍ منّي.

ليس لأنّ لي رأيًا طبّيًّا أو علاجيًّا مناقضًا، وإنّما لأنّي لا أتحمّل أن يتعرّض هذا الكائن لأيِّ تدخّلٍ يؤذي جماله الروحيّ وبهاء مظهره وقيافته.

في إحدى لحظات الضعف، خاطبتُ نفسي لاعنًا نفسي، لأنّي وافقتُ على إجراء الجراحة، أنا الذي يستحسن عمومًا الموتَ الرحيم، ويفضّله خيارًا مطلقًا، على أن يُخضِع الجسمَ البشريّ، بل الجسمَ الحيَّ مطلقًا، للإهانة، والتعذيب، عبر إجراءٍ جراحيٍّ كهذا، أو غيره.

فكيف إذا كان الكائنُ المعنيّ هو كوبر بالذات، الذي أحدث وجودُه معي في البيت، منذ سنةٍ ونصف السنة، تغييرًا جوهريًّا، في كياني وفي أخلاقيّاتي على السواء، أنا الذي اخترتُ لسقف العيش، ولحياتي، الوحدةَ والعزلة، وتفضيل الإنوجاد مع الذات حصرًا على الإنوجاد في بوتقةٍ عائليّةٍ، أو سواها.

قد يمضي زمنٌ عميقٌ قبل أن يستعيد كوبر لياقته البدنيّة، وعافيته، وحيويّة ذكائه العاطفيّ والإنسانيّ الحادّ. وقبل أن يلتئم ما انجرح منّي.

قد يمضي عمرٌ قبل أن أستعيد، أنا صديق كوبر، ورفيقُهُ، وحبيبُهُ، جزءًا حميمًا مندثرًا من روحي المكلومة.

أنا، الذي بالولادة أعتبرُني شقيقَ العطبِ الوجوديّ الذي يعانيه الشرط البشريّ برمّته؛

أنا الذي يتعايش مع هذا العطب، رفقةَ سوءِ فهمٍ كيانيٍّ لم يُعطَ لي أن أدرك كنهه، كنهًا وصفيًّا تشخيصيّا فلسفيًّا ملائمًا، في الكتابة الشعريّة والأدبيّة؛

طوالَ حياتي، نادرًا ما رأيتُ في عينَي كائنٍ حزنًا كالحزن الذي يجعل الروح رهينته، وهو صنو الحزن الذي اختبرتُهُ عندما شاهدتُ عينَي كوبر في المستشفى.

كيف لي، وأنا الهشاشة كلّها، أن أتحمّل حزنًا موجعًا كهذا؟!

هي حالٌ، كالتي توازي الانذهالَ التألميّ المطلق، أو الصعقَ، أو تغيّبَ العقل. وخصوصًا ذهابَ الروح.

أدركتُ، مرّةً جديدةً، كم أنا كائنُ الضعف بامتياز.

كم أنا لا شيء حيال الوجع. وخصوصاً وجعَ الآخر.

وكم أنا عدمٌ، حيال حقيقة الوجود. حيال المصير. حيال الحبّ. وحيال الأحزان تحديدًا.

كم أنا غبارٌ، يا كوبر.

وكم أنا حزينٌ حيال حزنكَ الموجع، يا كوبر!

[email protected]


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم