الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"خادمة إثيوبيّة في مطار بيروت مع فواتير كهرباء": "عملية النّصب" بدأت من السعودية

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
"خادمة إثيوبيّة في مطار بيروت مع فواتير كهرباء": "عملية النّصب" بدأت من السعودية
"خادمة إثيوبيّة في مطار بيروت مع فواتير كهرباء": "عملية النّصب" بدأت من السعودية
A+ A-

انها "كذبة اول نيسان"، على ما كتب بعضهم. الخبر المتناقل يكاد لا يصدق. ومع ان الصفحة اللبنانية التي نشرته اولا كتبت "للضحك فقط"، الا ان عدد المشاركات في البوست وصل الى 525 في غضون ساعات، والتعليقات بالمئات. "خادمة اثيوبية في مطار بيروت بحوزتها عدد كبير من فواتير الكهرباء التي تسلمتها من كفيلها على انها شيكات رواتبها"؟ البوست حقّق خبطة، وفي الوقت نفسه أساء مجانا الى صورة لبنان واللبنانيين. ولكن هل شهد مطار بيروت هذه الواقعة المزعومة؟ ما صحة هذه الرواية؟ وماذا عن الصورة المرفقة بالبوست، صورة العاملة، وفقا للزعم؟

النتيجة: البوست كاذب، ولا علاقة للبنان به. لقد أُقحم لبنان في بوست بدأ تناقله منذ عام 2013، انطلاقاً من صفحات وحسابات سعودية، مع الزعم أن الواقعة شهدتها السعودية. وفي وقت لم يمكن ايجاد مصدر سعودي موثوق به لهذا الخبر المزعوم، فان "عملية النصب السعودية"، تحوّلت على مر الاشهر عملية نصب بحرينية، وايضا لبنانية واردنية... وصولا الى الولايات المتحدة. وهناك وجدنا الصورة والخبر.

"النهار" دققت وسألت من أجلكم

الوقائع: منذ 1 نيسان 2019، تكثّف تناقل البوست. "ضبط خادمة اثيوبية في مطار بيروت بحوزتها عدد كبير من فواتير الكهرباء. وبعد التحقيق معها لمعرفة السبب، افادت بأنها كانت تستلمها من كفيلها كل شهر، ولمدة سنتين، بعدما اقنعها بانها شيكات". وقد ارفق البوست بصورة لسيدة سمراء، محجبة.

وقد أجّج البوست التعليقات. "تركو البلد كلو وحطو حطاطة لهالمعترة"، و"كم انت كبير ايها اللبناني، حتى ابليس ما عملها"، و"ما لاقو غير هالمسكينة يستقوو عليها"، و"حرام عالم بلا ضمير"، و"بعدين شو عاد صار؟ كل مرة بحطو نصف الخبرية، كمشوه؟" في المقابل، تساءلت قلة قليلة جدا عن صحة الخبر: "هيدي نكتة". "معقول؟"، "كذبة اول نيسان".

التدقيق:

-بالفعل، تزامن نشر البوست مع اول نيسان الذي يعرف بانه يوم الكذب. حسنا، ولكن البحث عن حقيقة الامر انطلق ليتبين اولا ان هذا البوست قديم، بحيث يرجع الى تموز 2013. وقد بدأ التشارك فيه على صفحات وحسابات سعودية على وسائل التواصل الاجتماعي، من دون صورة، ومع الزعم ان الواقعة شهدتها السعودية. ولم يكن اول نيسان، بل 18 تموز 2013 على الاقل.

-ابتداء من ايلول 2014، نشرت صفحات لبنانية في "الفايسبوك" البوست ذاته، مع زعم ان الواقعة حصلت في مطار بيروت. في الوقت نفسه، نشرتها حسابات عربية زعمت بدورها ان البحرين هي التي شهدتها، وهناك "عملية نصب بحرينية".


-خبر "خادمة فواتير الكهرباء" انتعش مجددا في 5- 6 ت2 2016، مع انتشار فيديو للداعية السعودي الشيخ محمد العريفي استشهد فيه بقصة "الخادمة او الشغالة مع فواتير الكهرباء"، للتحذير "من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل والاحتيال على المساكين والضعفاء"، زاعما ان الواقعة حصلت في السعودية. يومذاك نشرت مواقع اخبارية سعودية وكويتية كلام الداعية.

-مجددا، اعيدت قصة "الخادمة مع فواتير الكهرباء" الى الحياة، وهذه المرة نشره موقع اخباري اردني في (19) ايلول 2017، زاعما ان الواقعة حصلت مع "خادمة فيليبينية". المكان: مطار علياء في عمان.

في الصورة ادناه، نرى الخبر ذاته، ولكن مع زعم اختلف كل مرة، بحيث تنقلت "الخادمة" بين الرياض ولبنان والاردن!

-عام 2017، بدأ ارفاق البوست بالصورة المنتشرة حاليا. "SF"، كتب الى جانب الصورة.

-مزيد من البحث يقود الى الموقع الاجنبي Tell me more TV، الذي نشر الصورة في مقالة بالفرنسية، ضمن قسم "اخبار متفرقة"، في 11 ت1 2017. العنوان:

UNE FEMME NOIRE ÉTHIOPIENNE ESCROQUÉE PAR SON RICHE EMPLOYEUR SAOUDIEN!

المقالة وقّعها "Felly Charles" (فيلي تشارلز). وبعنوان فرعي: "من مكة الى اثيوبيا"، كتب الوقائع "نقلا عن الموقع الاخباري الاثيوبي Zehabesha الاثيوبي"، على قوله. وروى ان "امرأة سوداء من إثيوبيا، أميّة، كانت تعمل لدى سعودي ثري في مكة كعاملة تنظيف. وقد اشتغلت لديه أكثر من 3 سنوات. ومع انتهاء عقدها معه، عرض عليها تذكرة طائرة لتتمكن من العودة إلى أديس أبابا في إثيوبيا.

ولدى وصولها إلى مطار أديس أبابا، وقع ضباط الجمارك على طرد كان معها، وعثروا فيه على فواتير للكهرباء والمياه، اضافة الى سلع أخرى. وسألوها: "لماذا تحمل هذه الفواتير الكثيرة؟" اجابتهم: "في نهاية كل شهر، كان مديري يعطيني إحدى هذه الأوراق (فواتير ماء وكهرباء). وأخبرني أنه باستخدام هذه المستندات، يمكنني التوجه إلى أي بنك في إثيوبيا لاستعادة راتبي (المتراكم) لـ3 سنوات!"

وأردف ضباط الجمارك الذين أذهلتهم إجابة السيدة: "هل تعلمين أن هذه المستندات التي بحوزتك ليست شيكات أو حوالات مالية أو راتبك؟ هذه مجرد فواتير أو إيصالات خاصة بمشغلك لتغطية نفقات منزله... لقد كذّب عليك!"

وتتابع المقالة: "السيدة التي صدمت من كلام ضباط الجمارك ادركت بحزن أنها كانت ضحية احتيال في السعودية، لمدة 3 سنوات. ووفقًا لزملائنا فيZehabesha ، يتم إجراء تحقيق دولي لتوضيح قضية الاحتيال هذه. ووفقا للمحققين، تم التعريف بالسيدة ضحية الاحتيال بـS.F".

يعرّف موقع TellMeMore TV عن نفسه بانه "وسيلة اعلامية على الانترنت تهدف إلى توفير حلول للمشاكل التي تواجه كل المجتمعات، بخاصة المجتمع الافريقي. ويختار محررو الموقع بدقة المقالات والمعلومات التي يتم نشرها من أجل انارة القراء من المجتمع الأفريقي والمتحدرين من أصل أفريقي...". مقر الموقع في لوس انجلس بمقاطعة كاليفورنيا الاميركية.

-في اتصال من "النهار"، يؤكد صاحب الموقع ان "المقالة المنشورة تستند الى واقعة صحيحة". ويفيد انه "استوضح الصحافي كاتب المقالة عن الخبر، وأكد لي انه استند الى موقع Zehabesha. وقد حاولت ان اجد الخبر الاصلي لدى Zehabesha، لكنني لم اجده، ربما نظرا الى قدم الخبر".

ويتدارك: "هذا الخبر قديم وحقيقي. واعتقد ان المرأة الاثيوبية عادت الى بلادها. والواقعة تتعلق بالسعودية، وليس بلبنان. وفقا للمكتوب، المرأة عملت في مكة بالسعودية. وهذا ما قاله لي الصحافي كاتب المقالة".

-نقصد موقع Zehabesha. رغم بحث مكثف عن الخبر، لم نتمكن من ايجاده.

اتصلت "النهار" برئيس تحرير الموقع السيد هينوك أليمايهو- Henok Alemayehu. لكنه لم يتجاوب مع طلبنا ايجاد الخبر الذي يقول موقع TellMeMoreTV انه نقله عنه. ولا رد منه حتى الساعة.

Zehabesha "شركة إعلامية أميركية- إثيوبية، مقرها في مينيسوتا"، وفقا لما يعرّف الموقع عن نفسه، مشيرا الى انه "يوفر معلومات عادلة وغير متحيزة. ونحن ملتزمون فصل الأخبار عن الآراء، مع تغطية مجالات واسعة من الصحة والتعليم والسياسة والرياضة".

-مع توقف بحثنا في مينيسوتا، نعود الى المربع الاول. الى السعودية. مع ان خبر "الخادمة الاثيوبية مع فواتير الكهرباء" انتشر اساسا على صفحات وحسابات سعودية من دون ذكر لاي مصدر له، ولم يمكن ربطه ايضا بمصادر سعودية موثوق بها، غير ان تقارير لمنظمات انسانية تكلمت على معاملة سيئة تتعرض لها عاملات اثيوبيات وغيرهن من جنسيات مختلفة، في السعودية وبعض دول الخليج، ولبنان ايضا. وتقول منظمة Migrants Rights في تقرير لها:

"تعوز عاملات المنازل الحماية التشريعية الكافية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بل لا تسنح أمامهن فرص المطالبة بتعويضات، إن تعرضن لإساءة أو اعتداء. وكون العمالة المنزلية تتشكل غالبًا من الإناث، يُنعت عملهن بـ"غير المنتج"، مما يزيد احتمالات تعرضهن للانتهاك، مثل تحميلهن بأعمال إضافية، وتلقيهن لأجور أقل من المستحق، أو حتى عدم تلقيها مطلقًا، وتقييد تنقلهن، وتعريضهن لظروف عمل قاسية، إضافة الى الإساءات اللفظية والبدنية والجنسية".

اذًا، عدم تلقي عاملات منازل اثيوبيات او اندونيسيات او فيليبينيات او غيرهن، اجورهن انتهاك معروف ومسجّل لدى منظمات تعنى بحقوق العمال المهاجرين. وبالتالي، فان قصة S.F الاثيوبية مرجّحة جدا، وان لم نتوصل الى الحصول على معلومات اوفر واعمق عن هذه القضية.

النتيجة: الزعم ان واقعة "الخادمة الاثيوبية مع فواتير الكهرباء" حصلت في مطار بيروت كاذب، لا يمت الى الحقيقة بصلة، ذلك ان هذا الزعم انتشر اولا على صفحات وحسابات سعودية، وحدد السعودية مكانا للواقعة. بالنسبة الى اثبات ان الواقعة حقيقية، وان السيدة في الصورة هي "الخادمة الاثيوبية مع فواتير الكهرباء"، فقد توقف بحثنا في الولايات المتحدة، حيث أكدت ادارة الموقع الذي نشر الصورة مع خبر الخادمة، صحة هذه الواقعة.

الواقعة، اذا صحّت، شهدها مطار أديس أبابا بإثيوبيا.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم