الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"عادت الخطيئة إلى مطبخي" للسوري أمير عدنان مصطفى: بديل الثورة الثقافية

أحمد الشيخاوي
"عادت الخطيئة إلى مطبخي" للسوري أمير عدنان مصطفى: بديل الثورة الثقافية
"عادت الخطيئة إلى مطبخي" للسوري أمير عدنان مصطفى: بديل الثورة الثقافية
A+ A-

"كان هناك شاب إندونيسي اسمهُ محمد، معاً نمشي في مكة المكرمّة، كنا فتياناً منشغلين بالصلاة والعبادة، المسجد بيتنا. بين المسجد والبيوت يشعر العابد بالطهارة. الصلاة تُشعر الإنسان بوهج الله". محمد، الأيام الطويلة التي يقضيها أبي في كلّ حوار بيننا، لا أدري كيف ترسّب منذ خمسةِ عقود في ذاكرته. في أحلامي كنت أتخيله والدي ونوال هي أمي، وأبي هو العاشق الذي سترها من عمى العار، والتقاليد.

رفاه الآن خلفهما. امرأة مغتصبة تلمع تحت عدّادات السجن الحادّ. تتملّى جسدها والقضبان الصدئة العارية (1).

عبر رواية "عادت الخطيئة إلى مطبخي" يطالعنا أمير عدنان مصطفى بجملة من معاني النوفيلا السردية المرتبكة، في توسلها البناء الفوضوي، المحيل على خصائص وسمات هوية الكائن العربي المهزوز، جراء ما يتجرّعه كذات لا تتجزأ عن تحقيب تاريخي معيّن، انتساباً إلى ذاكرة ضاغطة بأبجديات البطولات والأمجاد في الصفحات الأكثر إشراقاً ورمزية، من كلّ حضاري عربي مُنوَّم ومعطّل في وعينا اليوم.

سردية برزت مزدانة بأسلوبية متلاعبة بالأنساق التاريخية والفلسفية والمجتمعية، قد تستفتح بالأواسط وتصمت عن النهايات، تقفز هنا وهناك، مباهية بسردية الفوضى التي تنشد معاودة ترتيب المشهد، معززة من شعرية الذات، ومدى غوصها في الواقعية الحلمية، بغية مقاربات العديد من القضايا الشائكة والحارقة بأسئلتها، ضمن بعدَي الرومانسي والثوري.

[في سهرات باب شرقي، منار تسمي الأمور بمسمّياتها. ما يحدث في سوريا، مع بداية2011 تحدّ ديموغرافي للشعارات، احتلال صارخ للانفجار. ميكيافلي يطلّ برأس طعومه. منار، أعرفها منذ كنت في السنة الجامعية الأولى. شاعرة متمردة، تكتب بتجاربها، بطغيان جسدها فوق خمارات الشام القديمة. علاقاتها تتوزع بين فرع الأمن وملتقيات الشعر السوري في ألمانيا] (2).

ما تفتأ الذات الساردة، تباهي بحضور امرأة الشهوات المتكررة حسب تعبير أمير عدنان مصطفى، هذا التجلي المدبّج بعبور الأنثوي على نحو ارتجالي خاطف، إذ كل ما يتركه، أثراً فردوسياً يختزل التوازنات الذاتية والعالمية، في تقليب صفحات العلاقات العاطفية، بحيث تطغى على المنجز نون النسوة، بما يؤكد حياد النوع المقابل، لكأنما المقال أو الحيز، داخل هذه السندبادية السردية، مابين ضفتي عالمين يحدثان المفارقة، سوريا المنبت وهو يباشر صياغة ملامح جديدة، تكذبها ثورة لم يُنضجها بعد الوعي الكافي، ما عكس جملة وتفصيلاً، سائر فصولها ولطّخ أهدافها المرتجاة، وعجّل بإماطة الستار عن مرح طقوسيات فشلها المرير.

وهي ضربة وصاعقة لم ولن تستسيغها الأوساط الطلابية الجامعية، المدانة بجميع أنواع الشرور من مخدرات وجنس وانخراط في المشهد السياسي الممنوع والمدبّج بمنظومة تابوات، لا يمكن العبور إلى سوريا ديموقراطية جديدة، إلاّ بافتضاض حصونها هي، واغتصاب أبراجها العاجية الممانعة.

والوطن المنفى أو المهجر، ألمانيا، هذه الجغرافية الأنيقة الملائمة للملمة الثقافة الثورية، بحيث لا مكتسبات مما جنته ثورات ما يسمى بـ" الربيع العربي" على شعوب المنطقة بالكامل.

يتوغل الراوي بشخوصه في ثوب الأنثوي، موجّهاً وعي وذائقة طرف التلقي، سيان، إلى بديل الثقافة الثورية، متجاوزاً بتكتيك سردي رشيق، قمامة من المشاكل الطاعنة في صميم إنسانية الكائن، دامغاً بغوايات الأفق الثقافي البديل.

[قبل أن يصفعني أحدهم، أسرق نظرة إلى هاتفي منجعصاً، أُبعد يد أمي عن حنجرتي. تبقى ممسكة بعنق رفاه، وفي ضوء قابل للانفجار، أحني عضلاتي، كرياح مخاطية تستهين بالطواحين. وكأبواب مسطّحة أرى جسدي في ثقب البارود.

مستعد لاختراع أخ جديد، لن يعود عبد السلام مع الرجل المتهم، بل كائن آخر ابتكره في طعن زعفراني، يرمي اسمه في بطني] (3).

كتابة تكثّف من خطاب ملامسة حيوات الاغتراب الروحي، في تداخلات سير السجون والدعارة وتعاطي المخدّرات والأوبئة المجتمعية كافّة، علاوة على التشبّع بمنصات تعرية واقع التطرّف باختلاف مناحيه العقدية والفكرية والإيديولوجية.

من ثم، نلفي المسافة ما بين خيبة الراهن الثوري، واشتراطات الانتساب لذاكرة، تكمن ضرورة بعث نثارها وحيثياتها، في الغنم والغائية والمرام الإيجابي الذي في مقدورها، أي تلكم الذاكرة المتوقفة على مقاربة شمولية جديدة، ووسعها أن تقدّمه من عناصر والجة في رهان تصحيح المسار، وبث روح مغايرة فيه، يغذيها تقديس وصقل ميكانيزمات الثقافة الثورية. مسافة للتأمل الروائي المكتنز بالرؤى الموسوعية، تلوّن بياضاتها فوضوية سردية ملهمة بأنظمتها الزمكانية والتشخيصية، داخل مسرح تجريبية مسكونة بعروض المحاكاة، ومحرّضة على تجارب ابتكار جيل مكتمل الوعي بواقعه، حدّاً يؤهّله لاختيار وقت أو موسم ثورته الناجحة والمتحررة من عقد المؤامرات السياسية والتاريخية.

هامش:

(1) قصة عصر البرزخ المبدئي، صفحة 15.

(2) قصة بياع الشهداء، صفحة 77.

(3) قصة وإزرا باوند أيضاً، صفحة 224.

* شاعر وناقد مغربي

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم