الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات الرئاسيّة في أوكرانيا... إمكانيّة لتغيير علاقة كييف بموسكو؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

من جهته، يطمح الرئيس الحاليّ بترو بوروشينكو للفوز بولاية ثانية في الانتخابات المقبلة. لكن، وفي استمرار للمفارقات، ليس بوروشينكو ولا تيموشنكو من يتصدّران استطلاعات الرأي، بل ممثّل كوميديّ شعبيّ أدّى في أحد المسلسلات دور أستاذ أضحى رئيساً للبلاد وهو فولوديمير زيلنسكي. وبحسب استطلاع رأي أجرته ثلاث شركات اجتماعيّة على 15 ألف أوكرانيّ بين 5 و 14 آذار، حاز بوروشنكو على 16.4% من الأصوات غير المتردّدة، وتيموشنكو على 16.6% أمّا زيلنسكي فحصد 27.7% منها.

التصويت لشخص جدّيّ أم كوميديّ؟

ثمة طُرفة تدور في كييف نقلها الباحث غير المقيم في مركز "كارنيغي" والمراقب للشؤون الأوروبية الشرقيّة بالازس جارابيك مفادها: "طوال سنوات، صوّتنا لأشخاص جادّين، وكلّ ما حصلنا عليه هو مهزلة. فلماذا لا نصوّت لكوميديّ ونرى ما يحدث؟"

إذا نجح زيلنسكي بالوصول إلى الرئاسة فلن يكون الكوميديّ الأوّل الذي يصل إلى موقع متقدّم في السلطة داخل أوروبا. فحركة النجوم الخمس التي تشكّل طرفاً أساسيّاً في الائتلاف الحكوميّ الإيطاليّ، شارك في تأسيسها الكوميديّ جوزيبي غريلّو. لكن بعيداً من اللمسة "الكوميديّة" في هذه الانتخابات، بل ربّما على طرف نقيض منها، لا تغيب تماماً مشاعر القلق من اندلاع أعمال عنف بعد يوم الانتخابات.



هذه المخاوف عبّر عنها الباحثان البارزان في "معهد الولايات المتّحدة للسلام" جوناس كلايس ووليام تايلور حيث ذكرا أنّ القلق من هكذا أحداث يعود تحديداً إلى احتمال عدم تقبّل المرشّحين البارزين النتائج أو عدم تخطي أحدهم المرحلة الأولى. لكن إجمالاً يبدو أنّ أوكرانيا باقية على طريق تنافس متقارب ومسار انتخابيّ "مستقرّ". والأجواء الانتخابيّة الحاليّة أقلّ حدّة ممّا كانت عليه سنة 2014 عقب ثورة "الميدان الأوروبي" لكن في الوقت نفسه، يدعو الباحثان إلى عدم نسيان أنّ هنالك 12% من الأوكرانيّين لن يتمكّنوا من التصويت بسبب وجودهم في القرم أو في مناطق النزاع شرق البلاد.


لماذا استبعاد وصول مرشّح موالٍ لروسيا؟

من غير المرجّح أن يصل إلى الرئاسة أيّ شخص موالٍ لموسكو. فتيموشنكو وبوروشنكو وزيلنسكي، المرشّحون الأوفر حظّاً للرئاسة، ليسوا على علاقة جيّدة مع الكرملين. في تشرين الثاني الماضي، احتجزت روسيا ثلاث سفن أوكرانيّة على متنها أكثر من عشرين بحّاراً في مضيق كيرتش الأمر الذي وسّع دائرة الغضب في أوكرانيا ضدّ الروس. بالمقابل، أعلن الرئيس الأوكرانيّ الحاليّ عقب هذه الحادثة حال الطوارئ لمدّة ثلاثين يوماً وقد أثارت الجدل الداخليّ حينها بعدما تخوّف البعض من أن تكون هادفة إلى مساعدته في الانتخابات المقبلة.

وقالت أنييس أورتولاني، محللة في "وحدة الاستخبارات الاقتصاديّة" لشبكة "سي أن بي سي" إنّ "الموقف المؤيّد للغرب أصبح، منذ سنة 2014، توافقاً سياسيّاً يصعب تحدّيه، فيما خسارة القرم وجزء من شرق أوكرانيا أضعفت بشكل ملحوظ الأحزاب الداعية إلى علاقات أقوى مع روسيا". وأضافت: "إنّ ضمّ القرم غير الشرعيّ سنة 2014 واحتلال جزء من الدونباس أزالا بحكم الأمر الواقع غالبيّة الجزء المؤيّد للروس من القاعدة الناخبة. وهذا ينعكس في الدعم الضئيل لأكثر مرشّح تأييداً لروسيا، يوري بويكو، بالمقارنة مع الثلاثة الأساسيّين".


روسيا "تتدخّل"

بحسب تقرير تاتيانا ماتيشاك في "المجلس الأطلسيّ" يوم الخميس، لم يمنع استبعاد وصول مرشّح مؤيّد للروس إلى الرئاسة تدخّل موسكو الإعلاميّ ضدّ بوروشنكو الذي اتّهمته "القناة الأولى الروسيّة" بدفع رشاوى إلى بطريركيّة القسطنطينيّة للاعتراف باستقلال الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية من أجل كسب بعض النقاط قبل الانتخابات. وقالت القناة إنّ الاتّفاق السرّي الذي وقّعه بوروشنكو ضمّ عمليّة نقل مبانٍ وأراض تابعة لها إلى بطريركية القسطنطينيّة في اسطنبول. لكنّ الاتّفاق بين كييف والكنيسة الأرثوذكسيّة ينصّ على أن لا موجبات على أوكرانيا بنقل أيّ مبنى وفقاً للتقرير نفسه.

اللافت للنظر في هذا السياق، استبعاد روسيا نفسها لبوروشنكو عن لائحة عقوباتها التي شملت 322 شخصيّة في تشرين الثاني 2018، من بينها منافسته تيموشنكو. والتعقيد الذي أبرزته اللائحة من حيث شمولها مثلاً نجل الرئيس الأوكرانيّ دفع الباحث في مركز "كارنيغي"-موسكو قسطنطين شوركين للإشارة إلى أنّ موسكو مهتمّة بنشر شكوك في أوكرانيا حول علاقة لبوروشنكو مع روسيا وشكوك بعلاقات لتيموشنكو معها على قاعدة أنّ لها مصالح داخل روسيا أمكن استهدافها.

ما قبل الانتخابات... لن يختلف كثيراً عمّا بعدها؟

تتقاطع وجهات نظر المرشّحين الثلاثة الأوفر حظاً عند كون موسكو هي "التهديد الأمنيّ الأوّل" بالنسبة إلى أوكرانيا، وفقاً لما يذكره الصحافيّ نيكولا ميكوفيتش الذي يغطّي الشؤون الروسيّة والبيلاروسيّة والأوكرانيّة في مقاله الذي نشرته مجلّة "غلوبال سيكيرويتي ريفيو". قد تختلف حدّة اللهجات بين هؤلاء المرشّحين فتنخفض مثلاً عند زيلنسكي الذي يريد الحوار مع روسيا وترتفع عند بوروشنكو لكنّهم يؤيّدون جميعاً النظام السياسيّ الذي أنتجته مظاهرات "ميدان".



بالمقابل، هنالك بعض العلامات المتمايزة في تحليلات النظرة الروسيّة إلى الانتخابات. رأى شوركين الجمعة في حديث إلى صحيفة "موسكو تايمس" أنّ روسيا تفضّل اليوم عدم نجاح بوروشنكو لأنّه يعني أنّ "حالة المواجهة ستستمرّ، وهذا ما لا تريده موسكو" بينما أعلن زيلنسكي أنّ الحوار مع روسيا هو الخيار الوحيد لحلّ النزاع في الشرق.

على أيّ حال، وبغضّ النظر عن هويّة الفائز، قد لا تتغيّر التوجّهات العامّة في أوكرانيا على مستوى انحيازها للغرب وسعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسيّ. الفرق الوحيد بين بوروشنكو ومنافسَيه، خصوصاً زيلنسكي، هو أنّ الأخير مستعدّ للتواصل مع روسيا، لكن إلى الآن، تحت سقف هذه التوجّهات.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم