الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل "الغامان" هي سبب نجاح وتطور الشعب الياباني؟

جاد محيدلي
A+ A-

عند الحديث عن اليابان أول ما يخطر في بالنا هو التطور والتكنولوجيا والتقدم لدرجة أننا نطلق على هذا البلد إسم "كوكب اليابان" لأنها لا تشبه أي دولة أخرى. ومن المعروف عن الشعب الياباني أنه مجتهد وذكي وعبقري ويمتلك أخلاقاً عالية. لكن ما هي الأسباب يا ترى؟ يشعر القادمون من الخارج بالدهشة عندما يرون اجتهاد اليابانيين منذ ساعات الفجر ومدى استعدادهم للانتظار بصبرٍ ترقباً لقدوم القطار مثلاً، أو الصبر والاجتهاد لإطلاق علامةٍ تجاريةٍ جديدة وتحقيق خطوات النجاح، حتى انهم ينتظرون بصبر أيضاً وصول المساعدات والمعونات إليهم بعد كارثةٍ ما، كوقوع الزلازل. هذه الصفة يُطلق عليها في اليابان اسم "غامان"، وهي مفردةٌ تعني "الصبر" باللغة اليابانية. هذا المفهوم ببساطة يعني ضرورة أن يُبدي الأفراد الصبر والتحمّل حين يواجهون مواقف صعبة، وينطوي هذا المفهوم على قدرٍ من ضبط النفس وكبح المشاعر. وبالنسبة لليابانيين، يشكل ذلك واجباً يُتوقع من الجميع أداؤه.

يصف دافيد سليتر، أستاذ علم الإنسان ومدير معهد الثقافات المقارنة في جامعة صوفيا بطوكيو، بحسب BBC، مفهوم الـ "غامان" بأنه مجموعة من الاستراتيجيات الرامية للتعامل مع الأحداث الخارجة عن سيطرتنا. ويقول إن "الأفراد يطورون في أنفسهم قدرةً على تحمل أشياء غير متوقعة أو سيئة، ومن العسير اجتيازها بنجاح". كما تشير نوريكو أوداغيري، أستاذة علم النفس الإكلينيكي بجامعة طوكيو الدولية، إلى أن جذور هذا المفهوم تكمن في حقيقة أن اليابانيين يُقَدرّون كثيراً قيمة ألا يُفرط المرء في الحديث، وأن يستطيع كبح جماح مشاعره السلبية حيال الآخرين. يشار الى أن هذه الصفة لا تنتج عن طريق الصدفة، بل يبدأ التدرب على ذلك مبكراً، إذ يتعلمه الأطفال من ذويهم، ويشكل ذلك أيضاً جزءاً من المناهج التعليمية بدءاً من المرحلة الابتدائية.

وُلِد مفهوم "الصبر والتحمّل" من رحم التعاليم البوذية المتعلقة بكيفية تحسين المرء لذاته، قبل أن يتحول تدريجياً إلى آليةٍ للتحمل بالنسبة للأفراد الذين ينخرطون في مجموعاتٍ اجتماعيةٍ متنوعة. وازداد الاهتمام بهذا المفهوم خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي شهدتها اليابان عقب الحرب العالمية الثانية، عندما أصبح العمل بمثابة عملية بناءٍ للأمة، ما كان يعني تضحية اليابانيين بالوقت من أجل البقاء في أماكن عملهم لساعاتٍ أطول. ويقول نوبو كوميا، باحث في علوم الإجرام بجامعة ريسو في طوكيو، أن من بين أسباب تدني معدلات الجريمة في اليابان ممارساتٍ مرتبطةً بالـ "غامان"، مثل مراقبة كل شخصٍ للآخر للنظر في ما إذا كان يلتزم بذلك المفهوم أم لا، وكذلك مراقبة كل شخص لنفسه للتأكد من تحقيق الهدف ذاته، فضلاً عن التوقعات التي يُكوّنها كل فرد لما سيصدر عن الآخرين من تصرفاتٍ. إذ إن مراقبة الناس بعضهم بعضاً وتجنبهم لحدوث صداماتٍ في ما بينهم، يجعلان كلاً منهم أكثر حرصاً في التصرفات والأفعال. 

الأمر لا يخلو من السلبيات بالتأكيد، فالحرص على التحلي بـ"الصبر والتحمل"، يُحْدِثُ ضغوطاً نفسية كبيرة على الإنسان. إذ أن الكثير من اليابانيين يتوقعون أن يتمكن الآخرون من توقع ما يدور بداخلهم من مشاعر وأحاسيس، بدلاً من أن يعبروا عنها مباشرةً بأنفسهم. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تتصاعد هذه الضغوط إلى معدلاتٍ كبيرة وخطيرة، ومن بين سلبيات الإيمان بهذا المفهوم أيضاً، أنه قد يُبقي النساء عالقاتٍ في شرك زيجاتٍ تعيسة. وفي الوقت الحالي، يختار بعض الشبان اليابانيين تجاهل ذلك المفهوم، ونبذ الدروب التي مضت عليها الأجيال السابقة لهم لأن منظومة العمل هذه تتفكك في الوقت الراهن، بسبب تقدم سن الزواج، وازدياد عدد النساء العاملات، وأصبح معدل الإنجاب في أدنى مستوياته على الإطلاق في تاريخ اليابان. وأصبح الكثير من الشبان يعملون بعقود مؤقتة أو  بدوام جزئي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم