الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عندما يسقط المرء

المصدر: النهار
آمنة رواس
عندما يسقط المرء
عندما يسقط المرء
A+ A-

عندما يسقط المرء، أو يتلاشى، أو يمرّ بوعكة صحية، يبحث عن شخص يستند عليه

فيدور على أقرب شخص إليه.

يلجأ إليه، ويبحث بين ثنايا قلبه عن شيء يخصّه، عن شيء يمسّه، يحنو على قلبه ويمسح بيده على بقايا روحه.

عندما يمرض الإنسان يسيطر عليه الضعف، يستشري في حنايا جسده.

فعندما لا يجد ظلّه،

يذهب ليبحث عمّا فقدَ، لعله يجد في مفارق الطرق ما ضاع منه،

يمشّط كل أرصفة الطرقات فلا يلملم منها إلا ذكريات،

يخيَّل إليه أنه إذا هرب من تلك الطريق، لن تطارده الذكريات،

لكن الذكريات تضاجعه كل يوم، تفترش جسده، تأكل من روحه، وتعيش على أنفاسه،

تلفّ يديها حول خصره، وكلما رأته يبتعد التصقت به ورمت بثقلها على عنقه، وباتت تلثم ما طاب لها منه،

وكلمّا رأته يغطّ في نومه، عادت لتلمسه بنهمٍ، فيستيقظ، يقترب منها، فتذهب ضاحكة تاركةً وراءها ذاك الشبح المستلقي على السرير مستيقظًا باكيًا.

ذهب ليبحث عمّا ضاع منه لعله يجده، لعله فلت منه على رصيف شارع من شوارع الهوى،

فلا يجد سوى أطياف.

يقف خارج جسده، كأنه يشاهد فيلماً ليس هو بطله،

ينظر إلى روحه تعانق روح من يحب تحت هذا القنديل بالتحديد،

وخلف هذا المبنى بالذات،

وعلى مفرق هذه المحطة المقفرة،

وبين حشود الناس، يتفقّد صدره، لعل محبوبه نسي وجهه هذه المرة،

يركن السيارة ويترجل منها لعله يستيقظ من هذا الماضي،

فيرى نفسه يمسك بيد من يحب،

يعود إلى السيارة، ليذهب إلى مكانهما المعتاد لعله ينهي هذا الشوق في قلبه،

فعندما تهرب من الأشياء تتربّص بك، وتبقيك عالقًا بها،

لعلك إذا واجهتها تشفى منها.

فما إن وصلت عجلات السيارة إلى المكان المنشود،

حتى وجدهما متلبّسين، هو وهي، في حالة زهد،

رأى ذكرياته كلها عارية، ماثلة أمامه،

تفترش المدينة بأكملها،

ضاق صدره، كان الهروب أفضل من المواجهة.

عاد أدراجه، مطأطأ الرأس،

مثقول الذكريات،

منخور القوى.

منتظرًا ذكرياته لتزوره هذه الليلة بشوق عاشق،

بعد أن بات مؤمنًا أن معاداتها لن تجلب له سوى الكثير من الأسى،

فلا سبيل للهروب ولا احتمال للمواجهة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم