الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

مذكرات ربيع

المصدر: النهار
فرح نصر
مذكرات ربيع
مذكرات ربيع
A+ A-

في جوفِ الذكريات تفاصيلُ لا تشيخ ولا تفنى كأنها تعانق أجزاءنا وترتدينا بكل ما تحتويه من فرح وألم، وتستبيح الروح كمطر يكره الجفاف... كأن الذكريات طفلةٌ صغيرة نصيبها الخلود تصارع الزمن وتعاشر الشيوخ والمسنين، وترثي تاريخهم، وتبقى على حافة الوعي إلى حين أن يفقد الإنسان وعيه.

هي ذاكرة والدة شهيدٍ لم تتعلّم قواعد النسيان، واختارت الجهل على أن تنسى ذكرى ولدها. نعم، إنها ذاكرة تعيش حكايا الماضي العميق بمقدارِ حبّها، والحاضر الأليم بمقدارِ حزنها، وتذوب ما بين العمرين وتذبل على ترابٍ لم يجفَّ من كثرة دموعها. الأمومة جميلة ومقدّسة في قصتها، ولكن إن سألتها عن عيد الأمّ ستقول لك تلك الكلمات:

أعرف أنني أبحرُ في زمن بعيدٍ من دون رفيقٍ ما عدا مشاعري وتفاصيلي. في كأسٍ من الحنينِ استهلُّ نهاري، وفي رغيفٍ من النسيانِ أشبعُ جوفَ ذكرياتي، وفي فنجانٍ من اﻷملِ أحلّيه إيماناً أختم نهاري.

وفي الليلِ أستمعُ إلى صوتِ نفسي وأسند رأسي على وسادةِ أحلام من نسيج أفكاري ورائحة آمالي ولون مَنطقي الذي لن يبوخَ لونه ولن يتلفَ، وألتحفُ ماضياً قد عرّاه الفراق لكنه ما زال يدفّيني. ماضٍ قد قتله الوقت لكنه ما زال يحييني. وأغمض عينيّ لترى عميقاً عما في نفسي ووجداني. أكسر زجاج خوفي لكن صعب المنال، طريقه طويل ومتعب، لكنني أراه حتى لو من بعيد. أراه في قلبي، في عقلي، وفي مرآتي. الوجع كالحلم دائماً يلاحقنا وكأنه قد ربط مصيره بنا كقدرة إلهية، وما أعظم اﻷقدار.

كل عيد وأمّهات الشهداء بخير. عسى ذلك الحزن النبيل أن يُختمَ ويكون الخاتمة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم