الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أيها القضاة انتفِضوا للحقّ

كارول تويني
أيها القضاة انتفِضوا للحقّ
أيها القضاة انتفِضوا للحقّ
A+ A-

تحضّ السلطة اللبنانيين منذ فترة على التبليغ عن الفساد. وقد نبّهنا الوزير جبران باسيل في كلامه على شاشة LBC في تاريخ 2019/03/19 بضرورة تأمين البراهين المثبِّتة لحالات التورط. فهو يكره التجني ونحن كذلك.

لكن السلطة تدرك صعوبة الاستحصال على الأدلة الدامغة، كيف لا اذا كانت هي نفسها عاجزة عن تقديم دليل واحد يؤكد حدوث فساد في دهاليز مجالسها واداراتها. كما ان الفاسد، كأي مجرم، يخفي معالم جريمته بدقة. والفساد ليس دائماً حسّياً، فقد يكون معنوياً، كالتماس ترقية او خدمة او نفوذ او غيرها.

في معظم الأحيان، تكون ادلة الناس غير كافية لكن مؤشرات الفساد متوفرة.

أليست المظاهر الخارجية التي تعكس تغيراً ملحوظاً في دخل بعض الرؤساء والوزراء والنواب والمسؤولين والموظفين مؤشراً؟

ألا يثير ازدياد ثرواتهم شكوك القضاء من استغلال هؤلاء وظائفهم ومواقعهم لمصالحهم الشخصية؟

أليس هذا كافياً للتحري عن حساباتهم وحسابات عائلاتهم الشخصية ولو من باب مكافحة التهرب الضريبي؟

تالياً، أليس الأجدى اذاً مطالبة هؤلاء بتقديم الوثائق الخطية التي تبرّئهم من الشكوك بدل توكيل الشعب بإدانتهم؟

على رغم ذلك لا يتحرك القضاء بل تتحرك السلطة للادعاء على الناس بالتشهير، واذا احجم الناس عن التبليغ يُتَّهمون بالتستر على الفساد.

لكن الفساد يا سادة، جريمة، وملاحقة الجرائم ليست من اختصاص الشعب بل من اختصاص القضاء.

لبنان اليوم منهوب بكل ما في الكلمة من معنى. فأين القضاء؟ أسأل هذا السؤال وفي قلبي غصة.

فأنا لا أبحث عن قاضٍ فدائيٍ كجيوفاني فالكوني الذي دفع حياته ثمن تفكيك المافيا الصقلية وزجَّ بـ٤٧٥ من مرتكبي جرائمها في السجون.

لكني أبحث عن قضاة من أمثال سليم الجاهل وفيصل حيدر وفوزي خميس وسليم العازار وغيرهم ممّن منعوا تدخل السياسة في عملهم ورفضوا الارتقاء على حساب نزاهتهم واستقلاليتهم!

إن هيبة القضاء يصنعها أمثال هؤلاء القضاة وليس قمع القضاة النزيهين ومنعهم من التعبير عن رأيهم في ما يجري خلف أسوار العدليات، كل ذلك بحجة مبدأ التحفظ.

أين هيبة القضاء عندما ينقل وزير للعدل رئيساً لمجلس الشورى من دون تعليل وجيه، مخالفاً مبدأ عدم جواز نقل القاضي دون رضاه، وعندما يعاتب قاضياً امام الاعلام على تأجيله جلسة محاكمة في دعوى لا يزال ينظر فيها؟ فهل على القاضي الاستعجال لمجرد ان الوزير يطلب ذلك؟ كيف يمكن السكوت على فضيحة من مثل أن يفرض زعيم سياسي على القضاة الجدد توقيع ورقة ذل يلتزمون بموجبها تنفيذ تعليماته؟

هذه عيّنة بسيطة من فضائح لا مجال لسردها كلّها.

إن معالجة الفساد تقتضي إقرار قانون جديد لإصلاح القضاء يعكس مبدأ سيادة الشعب الذي تصدر الأحكام باسمه.

فالسلطة القضائية مستقلة استقلالاً كاملاً بموجب الفقرة "ه" من الدستور ولا تجاوز لسلطة على أخرى بل فصل وتوازن وتعاون. فأي حجة تبرر هيمنة السلطة الإجرائية على السلطة القضائية اذا كانت هذه الهيمنة تضرب بعرض الحائط مبدأ فصل السلطات وبالتالي نظام الدولة بأكمله؟

لكن إقرار قانون جديد يبقى غير كافٍ كون السياسة نخرت الجسم القضائي وفرزت القضاة خلايا حزبية وطائفية. وبالتالي يحتاج التغيير الى تطبيق البرامج الإصلاحية التي تم وضعها منذ خمس عشرة سنة لتطهير المحاكم من الفساد، ولا تزال قابعة في الأدراج.

لن يقبل اللبنانيون بمزيد من الأعباء المالية والديون ولن يرضوا بأن يصبح "سيدر" مصدراً جديداً للفساد. فما لم تحرز السلطة تقدماً ملحوظاً في مكافحتها الفساد فسيكون توجيه الرسائل الى الدول المانحة لمنعها من إقراض الدولة آخر خرطوشة في جعبة المواطنين.

ايها القضاة، لقد أسستم نادياً نعتبره خطوةً أولى نحو استعادة حقكم الدستوري في التعبير وتعزيز استقلاليتكم.

آن الأوان لتثوروا. فانتفضوا. هكذا تجدون الناس في انتظاركم. استعيدوا ثقة هؤلاء الناس، إذ كيف نأتمنكم على حقوقنا في حين أن حقوقكم مرهونة؟ قضاؤكم رسالة وليس وظيفة. لبنان أمانة، فاحفظوه من الانهيار.

اضربوا على الطاولة بقوّة. وانطقوا فقط بالحق. لأنكم تنطقون باسم الشعب!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم