السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"ماما صفاء" تغلبّت على مُرّ الحياة بالعمل والاصرار

المصدر: "النهار"
آية سلامي
"ماما صفاء" تغلبّت على مُرّ الحياة بالعمل والاصرار
"ماما صفاء" تغلبّت على مُرّ الحياة بالعمل والاصرار
A+ A-

في محلها "ماما صفاء"، تستقبلُ زبائنها بابتسامة، وبروحها المرحة تلقاهم، ولكن ما لا يعرفونه أن هنالك حكاية خلف هذه المرأة كي يقترن اسمها بصفة الأمومة ولكي ترفعه عالياً.

بدأت حكاية صفاء عندما كانت في الرابعة من العمر، فوالدها اختطف يوم السبت الأسود ووالدتها هي من ربتها وأخوتها. رغم طيبتها، لم تكن والدة صفاء تعي بأن قرار تزويج ابنتها البالغة 14 سنة سيغيّر حياتها. فهي ما زالت صغيرة لتحمل مسؤولية بيت وزوج وابنة، وفعلاً لم تصمد طويلاً لأن الحِمل ثقيلٌ على جسدها الفتي. فكيف لطفلة أن تربي طفلة؟ لذا، بعد سنة تطلقت وأصبحت إحدى ضحايا الجهل السائد.

تسرد صفاء كيف أمضت حياتها بعد طلاقها الأول وهي لديها طفلة، قائلة: "عملت في معمل خياطة ومحلات مختلفة، ولكنني تعبت كثيراً إلى أن اقترنت بابن عمي بعد 8 سنوات من طلاقي ". إعتقدت صفاء أن ابن عمها سيكون خلاصها هي وابنتها وسينسيها كل ما عايشته من أيامٍ عصيبة، ولكن ذلك كان مجرد إعتقاد لم يترجم على أرض الواقع. إبتسمت صفاء قليلاً وقالت: "تزوجنا، ولكن تعرضت لعنف جسدي، أمضيت سنتين معه مليئتين بالعذاب، تعبت كثيراً فطلبت الطلاق، وقد بتّ أماً لفتاتين وأنا في عمر 24 سنة".

بعد طلاقها الثاني لم تسلم صفاء من كلام الناس، فعادت وتزوجت بابن عمها من جديد كي لا تتشرد ابنتيها، وقررت أن تبني عائلة من جديد "لعله تغيّر". أنجبت فتاتين وصبياً بعدها، ليصبح عدد أولادها خمسة، ولكن بقي الظلم والعذاب رفيقي دربها. وفي يوم من الأيام تسلم زوجها منصباً في البلدية. وعلى إثره، قرر الزواج ثانياً وهذا ما رفضته صفاء وقررت الطلاق نهائياً دون عودة. ذهبت صفاء إلى المحكمة لكي تطلق فكانت المفاجأة، "إلتقيت به في المحكمة هو وفتاة... يوم طلاقنا تزوجها".

رفضت صفاء أن تستسلم للحياة التي عاكستها منذ الصغر، فعملت بجد ولم تحتج أحداً. عملت في التنظيفات بأحد البنوك، وأيضاً في مجال الأمن وفي فرن وغيرها من الأماكن لكي تقف على قدميها وتجمع القليل من المال لاسترجاع أطفالها لحضنها. عندما استجمعت قواها، إستطاعت أن تأخذ أطفالها الخمسة لتربيتهم بعد أن تركهم والدهم، و"منذ ذلك الوقت كنت الأم والأب والمحافظة والحارسة وكل شيىء لهم".

بعد هذه السنوات، استأجرت محلاً أسمته "ماما صفاء"، تبيع فيه مواد غذائية ومناقيش صاج وحلويات تصنعها بنفسها "كالمفتقة". استطاعت فتح المحل من خلال بيع سيارتها ومكنة "اكسبرس" كانت تعمل عليها في كوخ داخل أحد الأحياء. وبفضل جهدها وتعبها، ساعدت بناتها في مصاريف زواجهن. وكانت صفاء حريصة على ألا تتعرض إحدى بناتها لما تعرضت له هي، "اختارت أصهرتها على أساس أخلاقهم وأعمالهم الحسنة لا على أساس مالهم"، كما تروي.

طوال المقابلة كانت جالسة خلف طاولة وضع عليها بعض السكاكر والمشتريات داخل المحل، وخلال حديثها كانت تدمع عينيها تارة وترسم ابتسامة على شفتيها تارة أخرى، ممسكة "بألف ليرة" تقوم بطيها مراراً وتكراراً، وتهز رجليها في بعض الأحيان ولكنها كانت امرأة قوية فوق كل شيىء. ولدى سؤالها عن الأمومة، قالت: "الأمومة حلوة كثير بس صعبة كثير، وخاصة إذا كان كل شيئ على ظهرك، عندها تموتين". وأضافت: "أولادي يقولون عني متشددة ولكن ما رأيته وما مرّ عليَ جعلانني حذرة كثيراً كي لا يتكرر معهم الشيء نفسه".

صفاء كانت ضحية الجهل منذ البداية، ولكن أبت أن تستسلم وناضلت من أجل تأمين حياة كريمة لأولادها الخمسة بعد غياب والدهم. تحية لصفاء ولكل أم ضحت بحياتها من أجل أولادها ولعبت دور الأم والأب معاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم