الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مجزرة نيوزيلندا: "إليكم ما لن يذكره لكم الإعلام"... المؤامرة تطلّ برأسها

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
مجزرة نيوزيلندا: "إليكم ما لن يذكره لكم الإعلام"... المؤامرة تطلّ برأسها
مجزرة نيوزيلندا: "إليكم ما لن يذكره لكم الإعلام"... المؤامرة تطلّ برأسها
A+ A-

نظريات المؤامرة... من الغرب الى الشرق. بعد بضع ساعات فقط على وقوع مجزرة المسجدين في نيوزيلندا، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بوستات تلوّح بمؤامرة ما وراء المجرزة. ففي وقت يثير مستخدمون غربيون نظرية "المجزرة التمثيلية" (False Flag#)، يتناقل مستخدمون عرب، وبينهم لبنانيون، نظرية "الموساد واليد الاسرائيلية" وراء مرتكب المجزرة برينتون تارانت، وايضا "تورط السلطات النيوزيلندية" معه.

ويبقى القاسم بينها كلها فرضيات القيت من دون ابراز اي دليل جدي يثبت صحتها او مصدرها، وشائعات تنتشر على مختلف المنصات الاجتماعية من دون اي ضوابط. "تعرّف على ما لن يذكره لك الاعلام ومحظور ذكره!"، وفقا لبوست بالعربية ينتشر على حسابات ومواقع عربية، و8 نقاط تفصلّها مخيلة مؤلف البوست. ما صحتها؟ هل هناك مؤامرة، متآمرون، اسرار وراء هذه المجرزة؟

"النهار" دقّقت من اجلكم

النتيجة: ما يزعمه البوست من تفاصيل غير منشورة عن مرتكب مجزرة نيوزيلندا، لا يمت الى الحقيقة بصلة. وقد ارتكب مؤلفه اخطاء في ذكر معلومات تاريخية من السهل ايجادها على الانترنت، بما يعكس خفة في التعامل مع مجزرة بهذا الحجم وبهذه الخطورة.

الوقائع: هذا هو البوست الذي يتم تناقله بين المستخدمين العرب. وننشره بأخطائه اللغوية، من دون تدخل:

التدقيق:

-بحثاً عن هذه المعلومات، يتبين ان نشرها بدأ في 15 آذار 2019، بعد ساعات قليلة جدا على وقوع المجزرة. وقد تناقلتها مواقع اخبارية ايرانية وفلسطينية، وايضا حسابات وصفحات عربية على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث لا يزال التشارك فيها مستمرا.

-ندقق في المعلومات التي "لن ينشرها لكم الاعلام"، وفقا للبوست. اول ملاحظة، يغيب عن البوست اي ذكر لمصدر المعلومات او اي دليل على صحتها او جديتها. وهذا من شأنه ان يجعلها مجرد شائعة منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

-البوست يعتمد من اوله الى آخره نظرية المؤامرة، وصولا الى توريط السلطات النيوزيلندية في المجزرة الارهابية.

وهنا آخر المعلومات الرسمية عن المجرزة ومرتكبها:

1- في تصريح لمفوض الشّرطة النيوزيلندية مايك بوش (18 آذار 2019، "رويترز")، قال: "أريد أن أؤكد أننا نعتقد أن مهاجما واحدا فقط هو المسؤول عن هذا الحادث الشنيع". و"هذا لا يعني استبعاد إمكان أن يكون أناس آخرون قدموا اليه الدعم، وهذا لا يزال جزءا مهما للغاية من تحقيقنا".

في 17 آذار 2019، افاد انه "تم القاء القبض على شخصين، هما رجل وامرأة يحملان أسلحة نارية في سيارتهما عند وقوع الاعتداء. وأوقفا رهن التحقيق. لكن الشرطة أعلنت أنهما غير ضالعين في شكل مباشر في المجزرة. وأطلقت المرأة لاحقا، لكن بوش قال إن الرجل لا يزال موقوفا في مسألة حيازة أسلحة" ("أ ف ب").

وبالتالي، "منفذو المجزرة ليسوا 4، بينهم امرأة"، كما يزعم البوست، بل شخص واحد هو تارانت، بموجب تصريح علني من الشرطة.

2- في 16 آذار، مثُل تارانت أمام محكمة، حيث وُجّهت إليه تهمة القتل. وأمرت السلطات بحبسه على ذمة القضية. وسيبقى موقوفا حتى جلسة المحاكمة المقبلة المحددة في 5 نيسان، وقالت الشرطة إنه سيواجه مزيداً من الاتهامات على الأرجح.

3-وفقا لما يزعمه البوست، تارانت "لن يعدم لان نيوزيلندا الغت تطبيق احكام الاعدام عام 2007، واوستراليا ايضا الغته عام 2005". في حقيقة الامر، ألغت نيوزيلندا حكم الاعدام، بموجب "قانون إلغاء عقوبة الإعدام الذي اصدرته الحكومة عام 1989"، على ما افاد موقع الحكومة النيوزيلندية.

بالنسبة الى اوستراليا، "ألغت كل السلطات القضائية عقوبة الإعدام بحلول عام 1985. وعام 2010، أصدرت الحكومة الفيديرالية تشريعًا يحظر إعادة تطبيق عقوبة الإعدام"، على ما يفيد موقع وزارة الخارجية الاوسترالية.

خطآن في معلومات تاريخية يمكن ايجادها بسهولة على الانترنت، ويعكسان خفة البوست.

الى جانب نيوزيلندا واوستراليا، اتخذت دول اخرى قرارا مماثلا. في الارقام، "106 دول الغت كليا حكم الاعدام لديها في نهاية 2017، اي اكثر من نصف دول العالم"، وفقا لمنظمة "العفو الدولية". وسجلت تنفيذ "993 حكما بالاعدام على الاقل في 23 دولة عام 2017، مع انخفاض 4% بالمقارنة بعام 2016 (1023)".

4- يزعم البوست ان "العمر الحقيقي لتارانت هو 42 عاما، من ابوين بريطانيين من اصول يهودية"! في وقت اعلن منفذ الهجوم بنفسه انه يبلغ 28 عاما، ووُلد في اوستراليا "في أسرة من الطبقة العاملة ذات دخلٍ منخفض"، و"والداي من اصول اسكوتلندية وايرلندية وبريطانية". ولم يأت على ذكر اي اصول يهودية. ولماذا يخفيها او يخجل بها؟

وفقا لتقارير اعلامية، اسم والدته شارون، معلمة لغة انكليزية، وتبلغ حاليا 57 عاما. اما والده، فاسمه رودني، وكان جامع قمامة يهوى المشاركة في مسابقات الترياتلون. وقد توفي عام 2010، عن 49 عاما، بعد معاناة مع السرطان. ووفقًا لما ورد في نعيه الذي نشر في آب 2010 في صحيفة "الدايلي ايكزامينر" المحلية، فإن "والدَي تارانت تطلقا في وقت مبكر من طفولته" (نيويورك تايمس، 16 آذار 2019).

كذلك، يثبت عمر والدَي مرتكب المجزرة عدم صحة ما يزعمه البوست عن عمر تارانت، وايضا عن "نزوح عائلته من اسرائيل عقب حرب 1948 من اسرائيل... واستقرارها في اوستراليا حيث حصلت على الجنسية الاوسترالية عام 1970". لماذا؟ لان والدَي تارانت لم يكونا ولدا بعد عام 1948، كما تبيّن عملية حسابية بسيطة لتاريخ ولادتهما (مواليد 1961و1962). وعام 1970، لم يكن الوالد تجاوز 9 اعوام، والوالدة 8 اعوام.

فبركة اخرى، والبوست لم يقدم اي دليل على ما يزعمه في هذا الشأن.

بحثاً عن اصول اسم تارانت (Tarrant)، كُتب انه "ظهر للمرة الاولى بين القبائل الأنغلو سكسونية في بريطانيا"، وفقا لموقع House Of Names. و"اسم المكان مشتق من اسم نهر الكلتي (Celtic)، وربما يعني "المتعدي" و"النهر المعرض للفيضانات". "وقد هاجر عدد من آل تارانت الى ايرلندا، وايضا الى العالم الجديد وأوقيانوسيا... واستوطنوا في اوستراليا ونيوزيلندا في القرن التاسع عشر".

بالنسبة الى الدين، تبين احصاءات الدولة الاوسترالية عن سكان غرافتون، حيث نشأ تارانت وتعيش حاليا والدته شارون، ان الانغليكان يشكلون 27% من نسبة السكان، و24،5,% لا دين لهم No Religion) 21,1%) من الكاثوليك، 10,3% غير مذكور، و5,7% من الكنيستين المشيخية والمصلحة. في غرافتون (المناطق الحضرية الهامة)، تشكل المسيحية أكبر مجموعة دينية تم الإبلاغ عنها عموما (70,8%)".

5- نعم سافر تارانت الى اسرائيل، ولكن ليس عامي 2017 و2018 وفقا لما يزعمه البوست، بل "في اواخر عام 2016"، على ما اعلن مسؤولون إسرائيليون ("رويترز"، 17 آذار 2019). وقال مسؤول في وكالة السكان والهجرة في إسرائيل لـ"رويترز" إن "تارانت دخل إسرائيل في تشرين الأول 2016 بتأشيرة سياحية مدتها ثلاثة أشهر وأقام فيها تسعة أيام". وهذه المعلومات الرسمية تناقض كليا مزاعم البوست عن "زيارات قام بها تارانت لاسرائيل استغرقت ستة اشهر".

وفقا لتارانت، "استغل مكاسبه من العملة المشفرة في السفر إلى فرنسا وإسبانيا والبرتغال عام 2017". وفحصت دول عدة سجلاتها بعد الهجومين، واكتشفت أن تارانت قام بسفرات أخرى. في أواخر 2016، زار صربيا، والجبل الأسود، والبوسنة والهرسك، وكرواتيا، حيث توقف عند مواقع معارك تاريخية، على قول كبير ممثلي الادعاء في بلغاريا سوتير تساتساروف ("رويترز" 16 آذار 2019)، قبل أن يسافر إلى أوروبا الغربية عام 2017. وعاد الى منطقة البلقان في تشرين الثاني الماضي للقيام بجولة في مواقع تاريخية في بلغاريا، ورومانيا، والمجر.

كذلك، قال مسؤول تركي كبير لـ"رويترز" إن "تارانت زار تركيا "مرات عدة، وأمضى فترة طويلة في البلاد"، من دون ذكر تواريخ. والسلطات التركية تحقق حاليا في التحركات التي قام بها خلال زياراته.

وأظهرت صفحته على موقع "الفايسبوك" أن رحلاته الى الخارج شملت ايضا باكستان وكوريا الشمالية واليونان... وعاش تارانت اخيرا، قبل تنفيذ المجزرة، في مدينة داندين التي تبعد نحو 350 كيلومترا عن كرايستتشيرش. وأفاد وزير الداخلية الأوسترالي بيتر دوتون أن تارانت، وعلى مدار السنوات الثلاث الأخيرة، أمضى 45 يوما فقط في أوستراليا، ولم يكن مدرجا على قوائم الإرهاب ("أ ف ب"، 18 آذار 2019).

6-"قبل تنفيذ الهجوم تم زرع 12 قنبلة في المنطقة التي تحيط بالمسجد..."؟ وفقا للشرطة النيوزيلندية، "كان تارانت يحمل في سيارته، لدى القبض عليه، عبوات ناسفة بدائية الصنع"، ("رويترز"، 16 آذار). لا تقارير رسمية اطلاقا عما يزعمه البوست ان "الشرطة وجدت 12 عبوة وفككتها".

7-ردا على الزعم ان السلاح المستخدم "سلاح آلي اوتوماتيكي... اسرائيلي الصنع"، الجواب لدى مفوض الشرطة مايك بوش الذي افاد ان "السلاح المستخدم نصف آلي". ونقل موقع "ABC News" عن الخبير في مكافحة الارهاب البروفسور كريغ بارتون من جامعة ديكن الاوسترالية ان "تارانت استخدم عددا من البنادق، احداها بندقية AR15 التي تعتبر هجومية"، مشيرا الى انه "تم استخدامها في العديد من المذابح المرتكبة في الولايات المتحدة، لا سيما في اطلاق النار الجماعي في لاس فيغاس عام 2017، والذي اسفر عن مقتل 58 شخصا".

بندقية AR15 خفيفة الوزن، ونصف آلية، وفقا للتعريف بها. وافاد رئيس اتحاد الشرطة كريس كاهيل إن "الأسلحة شبه الآلية التي تم استخدامها في الهجوم محظورة في اوستراليا منذ حصول مذبحة بورت آرثر عام 1996"، والتي راح ضحيتها 35 شخصا.

8- بالنسبة الى استغراق الهجوم "17 دقيقة و4 ثوان، علما ان مركز الشرطة يبعد عن المسجد كيلومترين"، افاد المفوض بوش ان "الشرطة اعتقلت الرجل بعد 36 دقيقة من إبلاغها"، مشيرا الى انها "صدمت سيارة المشتبه فيه واعتقلته فيما كان يقود سيارته مبتعدا عن المسجد الثاني في ضاحية لينوود".

وفقا لتقرير اعدته الـ"بي.بي.سي" (18 آذار 2019)، وصل تارانت الى مسجد النور الساعة 13,40، و"بدأ هجومه". وهناك اوقع 41 قتيلا. وبعد 6 دقائق، غادر في سيارته متوجها الى المسجد الثاني. وقالت الشرطة إن سبع دقائق مرت، قبل أن يصل المهاجم "نحو الساعة 13,55، وفقا لتقارير اعلامية محلية"، إلى المسجد الثاني في ضاحية لينوود، "على بعد 5 كيلومترات"، حيث قَتل سبعة أشخاص آخرين. بعد 36 دقيقة من الهجوم على المسجد الاول، طارد ضابطان في الشرطة، أحدهما يحمل مسدسا فقط، المشتبه فيه واعتقلاه.

في حصيلة الامر، لم تصدق مزاعم البوست مجددا.

9- بالنسبة الى ما زعمه ايضا ان تصوير المجزرة هدفه "طقوس تقديم القرابين الى الشيطان، وهي من طقوس الماسونية كتصوير الرذيلة على سفح الهرم وقتل الاطفال والطائرة الاثيوبية الخ الخ الخ"، نجدد التذكير بان تارانت من المنادين بتفوق العرق الأبيض. واوضح موقفه في مانيفستو من 72 صفحة بعنوان: "الاستبدال الكبير- نحو مجتمع جديد". وبدا أنّه استوحى نظريّات منتشرة في أوساط اليمين المتطرف تقول إنّ "الشعوب الأوروبّية" تُستبدل بمهاجرين غير أوروبّيين. وأعلن في بيانه أنّه قرّر تنفيذ اعتدائه في نيوزيلندا كي يُبيّن أنّ "ما من منطقة في العالم بمنأى. الغزاة منتشرون على أراضينا، لا مكان آمناً، حتّى أكثر الأماكن النائية" (أ ف ب).

وأخيرا، هل يجب التعليق على اقحام الطائرة الاثيوبية في الموضوع؟ وماذا عن الخ، الخ، الخ؟ استخفاف بالعقول. 

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم