الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

همجية ما بعد الحرب في لبنان

المصدر: ترجمة نسرين ناضر عن الانكليزية
سمير خلف
Bookmark
همجية ما بعد الحرب في لبنان
همجية ما بعد الحرب في لبنان
A+ A-
الفترات الزمنية التي تلي الحروب، لا سيما تلك التي تطبعها فتنة أهلية وفوضى واضطرابات مطوّلة ومعمّمة على نطاق واسع، تُولِّد عادةً أمزجةً تنزع نحو ضبط النفس. يميل الأشخاص أكثر إلى كبح اندفاعاتهم التقليدية، ويمارسون سيطرة ذاتية أكبر بهدف إعادة تقويم خياراتهم المستقبلية وإعادة توجيهها. غير أن الحرب في لبنان، وبدلاً من تحرير الأشخاص من إفراطاتهم السابقة، ولّدت، للمفارقة، ردود فعل معاكسة. فقد أطلقت العنان للشهيات، وأشعلت لدى الأشخاص رغبات لا ترتوي للاقتناء الجشِع والتفلّت من القوانين وحيازة امتيازات غير مستحَقّة.كانت بعض هذه الإفراطات فاضحة جداً إلى درجة أنها اكتسبت، في بعض الأحيان، جميع العوارض الهمجية المصاحِبة لبدائل الحرب غير الأخلاقية. لقد ولّدت ظروفاً حيث تمكّنت المشاعر العدوانية من التفلّت من القيود التقليدية والمتمدّنة. بالفعل، عُطِّلت معظم الكوابح التقليدية التي تضبط عادةً سلوكيات الأشخاص المفترِسة والمتهوّرة. وتَحوَّل السلوك المسترسِل في الصخب والفوضى وغير المنضبط ممارسةً روتينية. وبعض التصرفات، مثل تدمير المَواطن الطبيعية في البلاد، وانتهاك قوانين البناء والتنظيم المدني، والابتزاز، والاحتيال، والفساد، ونقص الوعي المدني والعام - الذي يتجلّى بصورة خاصة في تفشّي الجرائم الصغيرة والجُنح - ضاربة الجذور في المنظومة الثقافية القائمة على التهاون والليبرالية الاقتصادية المفرطة والزبائنية السياسية.مثالٌ على ذلك، لطالما كانت المركنتيلية والقيَم البورجوازية المصاحِبة لها مطلقةَ اليد في لبنان. كانت نتائج الغلو في النزعة التجارية واضحة إلى درجة موجِعة في سنوات ما قبل الحرب. فعلى ضوء الزيادات الهائلة في أسعار الأراضي، أصبحت تجارة العقارات (لا سيما خلال الستينات عندما بلغ حجم التمدين وصناعة البناء ذروته)، من المصادر الأكثر استجلاباً للأموال التي ساهمت في تغذية الثروات الخاصة. وهكذا أصبح نهبُ المَواطن الطبيعية في البلاد من دون هوادة، وتجريد فسحة العيش من إنسانيتها، واضحَين للعيان وضوحاً صارخاً.في ظل غياب سلطة الحكومة، باتت هذه التجاوزات أكثر انتشاراً. فما لم تُدمّره الحرب أتى عليه المتعهّدون الجشعون والمستهلكون المستهترون. لم يوفّروا شيئاً أو بالكاد فعلوا. فالخط الساحلي الذي كان يحافظ على رونقه الطبيعي في ما مضى باتت تُشوِّهه المعالم السياحية المبتذلة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم