الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

البريكست الصعب مناسبٌ لخطّة ترامب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

"كلّ شيء ممزّق"

اليوم، تعجز بريطانيا عن إيجاد توافق داخليّ حول آليّة الخروج من الاتّحاد الأوروبّي. وقد لا يكون الرئيس الأميركيّ بعيداً عن تعقيد كهذا بحسب بعض المراقبين. بعد يوم واحد على التصويت ب "نعم" لصالح "بريكست"، كان ترامب، كمرشّح جمهوريّ آنذاك إلى الرئاسة الأميركيّة يفتتح ملعب غولف خاصّاً به في اسكتلندا. وقال حينها: "أعتقد أنّه (البريكست) عظيم. أعتقد أنّه أمر مذهل. يريد الشعب استعادة دولته، يريد الاستقلال. وبعدما رأى "توازياً حقيقيّاً" بين حملته ونتيجة التصويت، توقّع أن يكون الانفصال "على الطريق". لكن أيّ طريق؟

يوم الخميس الماضي، قال ترامب إنّ رئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي "لم تصغِ" إلى أفكاره عن أسلوب التفاوض حول "البريكست" مشيراً إلى أنّ استفتاء آخر على هذا الملفّ سيكون "غير منصف للشعب الذي فاز". وعن "عدم إصغائها" له قال: "لا بأس، يجب عليها أن تفعل ما يجب عليها أن تفعل. أعتقد أنّه كان بإمكان أن يتمّ التفاوض عليه بطريقة مختلفة. أكره أن أرى كلّ شيء ممزّقاً حاليّاً".



يتّهم البعض ترامب بأنّه سبب كبير في إثارة التمزّق بين بريطانيا والاتّحاد الأوروبّيّ. يصعب نسيان استضافته رئيس حزب الاستقلال البريطانيّ "يوكيب" نايغل فاراج المؤيّد للبريكست خلال أحد تجمّعاته الانتخابيّة في آب 2016 وكذلك إشاداته بنتيجة الاستفتاء. وقد يكون هنالك ما هو أكبر من خطوات محدودة التأثير وتعبّر عن نظرة سياسيّة بعيدة المدى لدى بعض المحافظين المقرّبين من الإدارة. لكنّ آخرين أبدوا رأياً أكثر تحفظاً.


"صديقنا في البريكست"

وصفت صحيفة "ذي اندبندنت" تصريح ترامب ب "الهجوم غير الطبيعيّ"، لكنّ فريدي غراي من مجلّة "سبكتايتور" البريطانيّة ردّ بأنّ الأمر "ليس هجوماً" و "ليس غير طبيعيّ"، بل "أكثر ما هو صادم حول تعليق ترامب على بريكست هو أنّه صحيح". بالنسبة إلى غراي، كانت تصريحاته حول الملفّ متناسقة طوال سنتين والانتقادات التي طالته لم تقدّم البديل المناسب لبريطانيا. ورأى غراي أنّ الحكومة لم تستطع استيعاب أنّ ترامب "هو صديقنا في البريكست" بغضّ النظر عن مدى عدم إعجاب الشعب البريطانيّ به، وأنّ ماي بزيارتها الأولى لواشنطن في كانون الثاني 2017، كانت أكثر اهتماماً بالحفاظ على "الناتو" من استغلالها اقتراحه والقبول باتّفاق تجاريّ معه. وأضاف: "لا يسع المرء التساؤل عمّن هو الأبله الحقيقيّ: دونالد ترامب أو بريطانيا البريكست".

صحيح أنّ ماي تعاني في مسألة إيجاد خطّة مقبولة من البرلمان المحلّي والاتّحاد الأوروبّي. فالبرلمان يضيّق الخيارات أمامها بعدما رفض اتّفاقها مرّتين بين كانون الثاني و 12 آذار الحاليّ. ومن غير الواضح ما إذا كانت ستعرض ماي الاتّفاق على تصويت ثالث بين الثلاثاء والأربعاء خصوصاً أنّ رئيس مجلس العموم عارض طرح "اتّفاق مشابه" أو "مشابه إلى حدّ بعيد" على التصويت. ما وافق عليه المجلس هو طلب تأجيل خروج بريطانيا من الاتّحاد الخميس الماضي.

في هذا الوقت، لا يزال الرئيس الأميركيّ مصرّاً على التوصّل إلى اتّفاق تجاريّ "كبير" مع لندن، وقد أبدى ذلك في تغريدة الخميس الماضي حين أوضح "إمكانية لا محدودة" للتوصّل إلى اتّفاق كهذا. بالنسبة إلى المحلّلين المؤيّدين لخروج ليّن من الاتّحاد، يشكّل استمرار "العرض" الأميركيّ تعبيراً عن حماسة أميركيّة لجعل الاتّحاد أكثر ضعفاً في ظلّ سينايو البريكست الصعب.

"بريطانيا خاضعة"، "بريطانيا فريسة"

يمكن مقال الصحافيّة ناتالي نوغايرَد في "الغارديان" منذ أربعة أيّام أن يلقي الضوء على خوف المؤمنين بقيم الاتّحاد من معسكر أميركيّ مؤيّد للسيناريو المتطرّف. بالنسبة إليه، ثمّة خوف من أن ينافس الاتّحاد الولايات المتّحدة ويؤثّر على مصالحها في المستقبل. وإذا وجد الاتّحاد طريقة لتقييد النفوذ الصينيّ فوق أراضيه، فقد يكون النفوذ الأميركيّ هو الضحيّة التالية. بهذا المعنى، يساعد البريكست في حرمان أوروبا من قوّة تفاوضيّة في مسائل قد تناقض المصالح الأميركيّة مثل التغيّر المناخيّ أو بشكل عام اتّخاذ قرارات في نظام عالميّ تعدّديّ. تستنتج نوغايرَد من مقابلاتها وقراءاتها أنّ ما يريده هؤلاء هو "أوروبا خاضعة" و "بريطانيا أكثر خضوعاً حتى" وتحتجزهما النظرة الدوليّة "الخطيرة" للرئيس الأميركيّ.

لا تقدّم هذه الأفكار حلّاً عمليّاً لمشكلة بريطانيا. بداية، تنذر التطوّرات بأنّ مصير لندن اليوم أصبح خارج يديها إلى حدّ بعيد. وحتى مع افتراض قبول الاتّحاد بتمديد مهلة البريكست، ليس واضحاً كيف سيستطيع البريطانيّون والأوروبّيّون التوصّل إلى حلّ في ثلاثة أشهر بعدما عجزوا عن ابتداعه خلال أكثر من سنتين ونصف.





علاوة على ذلك، وفي ظلّ فئة أميركيّة مشكّكة بقوّة الاتّحاد الحقيقيّة أو المتخيّلة، تبدو أوروبا نفسها غير متحمّسة لتقديم المزيد من التنازلات إلى بريطانيا. فالاتّحاد مهتمّ غالباً بتوجيه إنذار صارم إلى أعضائه الذين يفكّرون بانتهاج مسار مشابه، أكثر من اهتمامه بإخراج لندن بأقلّ الأضرار الممكنة. وبذلك، يكون الاتّحاد قد خدم بطريقة غير إراديّة الجناح الأميركيّ المؤيّد للبريكست الصعب. وبروكسل لا تتحمّل مسؤوليّة في هذا الإطار بما أنّ الخيارات قليلة أمامها.

وعلى أيّ حال، إنّ السؤال حول ما إذا كان خروج بريطانيا من الاتّحاد بلا اتّفاق يخدم "خطّة عظيمة" لترامب حول أوروبا، ليس سؤالاً عمليّاً في لندن لأنّه يعيدها حوالي ثلاث سنوات إلى الوراء، فيما هي بحاجة إلى تحمّل مسؤوليّة قرارها في حزيران 2016. أن تصبح بريطانيا "خاضعة" أو "فريسة" لترامب بحسب مراقبين بريطانيّين، فهذه مقاربة كان يجب إخضاعها للنقاش في تلك الفترة، وربّما في فترة أسبق، حين فكّر المحافظون بتنظيم استفتاء البركسيت أساساً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم