الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

متى الصحوة على لغة الله والحياة؟

المصدر: النهار
محمد عبدالله فضل الله / أكاديمي وحوزوي
متى الصحوة على لغة الله والحياة؟
متى الصحوة على لغة الله والحياة؟
A+ A-

الإنسان يولد في صخب من العيش وتنتظره زحمة من الموروثات والتقاليد الجاهزة، ويبقى وجوده الفعلي وحقيقته الأصيلة تنتظر منه أن يخطها بأعمال الخير والبر ويبتعد عن الانغماس في الشرور والرذائل، كي يحمل بأمانة جواز عبوره المخلص في الوجود كي يتعرف إلى أن عمره الحقيقي، هو بمقدار ما قام به من مواقف وما حمله من مشاعر تلتزم الحق والعدل وتنشد البر والتعاون لا أن عمره بمقدار ما عاشه من سنين، فقد يعيش المرء مئة عام ولكن لا تساوي في حساب القيمة الإنسانية شيئاً.

إن الإنسان وحدة من مشاعر وغريزة وعقل وسعيه الدائم بين هذه المناحي يتلمس منها مقدار محبته وحضور نعمة الله عليه وكيف يعكسها في مجتمعه.

من سكن الله قلبه واستحوذ عليه بكليته وأتقن فهم معنى الحب الإلهي وإشاراته لا يعرف لغير البر والخير سبيلاً، فلا يمكن أن يكون متحسساً لنعمة الله ومحباً له وفي قلبه ذرة كره أو أنانية أو عصبية ألم يقل السيد المسيح: "لا يجتمع حب الله مع كره الإنسان".

قلوبنا الملأى بمشاعر حب الله لا مناص من ترجمتها، فهي ليست غيباً عصياً على الاستنطاق بل لغة منضبطة تماماً تهب لعقولنا مساحة مفتوحة وحرة من التروحن والتزكية حتى تنفتح أكثر على مقاصد الله في الحياة كي نخرج باجتهادات تلامس لغة الإله التي تعلو فوق الزمن ولكنها في الوقت عينه تتقوم بزماننا البشري بلا انقطاع وانفصال، لغة الأبدي تحاكي لغة المحدود كي يترقى.

يحركنا الرب تعالى دوماً من المبدأ فمجرد طبعنا وخلقنا على صورته ومثاله وحملنا لنفخة روحه، فإن ذلك بذاته حافز للتوجه نحو البر باستمرار منعاً لانتشار الشر ووجوهه الكثيرة وطغيانها على الناس.

رؤية القلب الذي يسكنه الله طوعاً يدفع إلى الفعل في الواقع الخارجي فهو ليس لذة مجردة بالنعمة وغارقة في الضبابية، إنها تأخذ حيزها وبعدها الحقيقيين في الواقع، حيث يتدرج الحب والشعور بالنعمة، حتى يصبح أكثر سمواً وحضوراً وإشراقاً مستنداً إلى جملة تجارب في نفوس المحبين.

واقعنا اليوم ينضح بكثير من الأزمات الأخلاقية والمعرفية والاجتماعية وغيرها، ولا من يقظة فاعلة ولا من سلوك إنساني حاضر وفعلي في وجه طغيان سطوة النزوات والأنانيات والشكليات والإغراءات، التي يسقط فيها كثيرون من رجال سياسة، وحتى دين ووجوه اجتماعية وغيرها، فما عليك سوى الدخول إلى ما تضج به وسائل الإعلام والتواصل، حتى تقرأ ملياً المشهد الإنساني والاجتماعي الصادم.

لقد طلب الله منا أن نضبط زماننا الداخلي الأصيل كي نضبط عقارب زماننا الخارجي عبر التمسك بالحقوق وفعل الخير ورفض المساومة على الحقيقة في زمن كثر فيه المساومون والمتاجرون، الذين لا يخجلون أبدا حتى صار الحياء بضاعة نادرة، والأسوأ ما يتربى عليه الناشئة من هذا المرض الذي يفتك بإنساننا.

لو كشفنا عن قلوب البعض من المنغمسين في فساد الدنيا ومن السارقين والناهبين للثروات والأموال والمعتدين على الحقوق، لوجدناها كل شغلها ضبط زمانها الخارجي على إيقاع النهم الذاتي، والجشع، والنزوات، والأهواء التي لا حد لها، لدرجة أنك قد تصطدم من قدرتهم على ممارسة الخداع في العلن والانغماس في المفاسد وكأن الشياطين تسربلتهم وباتوا أكثر شيطنة منها.

في واقعنا اليوم السياسي وغيره نحن أمام مواجهة محكمة مع شياطين حقيقيين يبتكرون كل الخطط بدهاء حتى ينفدوا من السؤال، وفي النهاية هم في نظر أنفسهم وأشياعهم ملائكة لا بد من حمايتهم من الرجم.

لقد واجه حواريو المسيح كما أصحاب محمد الشرفاء اللصوص وسموهم بأسمائهم وفضحوا خداعهم، وعلّموا الناس أن يلعبوا دور المحاسب والمراقب، وأن ينتفضوا على الباطل، ويميزوا بين من يصلح لهم راعياً، وبين من يستعمل رعيته لتبقى زعامته واستعباده للناس مباشرة أو بطريقة مبطنة.

إن الإيمان هو وضوح صادق وقوة تفوق دعاوى الجهل فهو من الله المطلق، وشركة تامة بين قلب شفاف وحقيقة صافية تركت لك تنظيم إيقاع فهمك.

للأسف قلة قليلة من المتوازنين من ينظمون فهم الحقائق وإدارتها والإفادة منها، فلم نصل بعد إلى مرحلة قد تعود العقل الجمعي على التفاعل معها فيما نغرق في بحر من الخطابات الرنانة التي لا دخل لها عملياً بالنعمة والمحبة والتوازن بل هي أبواق أنعام غارقة في التقليد الأعمى والموروث المقدس.

كثيرون من يدعون الإيمان واليقين، وإذا نظرنا بعين العقل والقلب، نجدهم يعيشون في سطحية مفرطة وفي يقينية لا قيمة لها، ولا تأثير يتحركون بانفعالية زائدة، محاولين تجميل ما تجذر في نفوسهم من مشاعر وعادات ومفرادت جاهلية بائدة، ليس من توازن لا في منطقهم وخطابهم سوى أنهم متفقون على مواجهة الإيمان الجدي لأنهم عاشوا تضخماً وتورماً في شعورهم الديني والاجتماعي والسياسي إلى درجة إطلاق الأحكام وتثبيت الحسابات وتربية الأجيال على مزاجياتهم وأهوائهم.

فأنت باستطاعتك رفس نعمة الله، لا بل شتم الذات الإلهية، ولكنك ليس مسموحاً لك أن تنتقد زعيماً سياسياً أو قائداً أو غير ذلك وتثار حولك عشرات الاستفهامات وترمى بشتى التهم.

نحلم بيوم نصحو فيه على قلب يعرف فيه نعمة الله، وعلى إيمان واع يتحرك في الحياة أفعالاً متوازنة تحفظ الحقوق، وتمنع المفاسد التي أثقلت واقعنا.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم