الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سوريا حاضرة في اجتماع دانفورد-غيراسيموف... فيينّا جزء من مشهد أوسع

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

بعد نهاية الاجتماع، أصدر الناطق باسم هيئة الأركان الأميركيّة العقيد باتريك رايدر بياناً شبيهاً جدّاً بذاك الصادر قبله. وجاء في البيان أنّ الجنرالين اعترفا بأهمّيّة الاحتفاظ بتواصل مستمرّ لتفادي الحسابات الخاطئة وترويج الشفافيّة وقواعد فكّ الاشتباك في المناطق التي يعمل فيها جيشا الدولتين على مقربة من بعضهما. كذلك، ووفقاً لما درجت عليه العادة، وافق الجنرالان على إبقاء تفاصيل محادثاتهما الخاصّة سرّيّة.

اتهامات وتقدّم في جوانب ثانوية

جاء لقاء فيينّا على وقع اتّهام وجّهه غيراسيموف يوم السبت إلى الولايات المتّحدة وحلفائها بنيّتهم "توجيه سياستهم الخارجيّة العدوانيّة ... للإطاحة بأنظمة الدول التي لا يحبّونها، ويقوّضون سيادتها ويريدون بشكل غير قانونيّ تغيير المؤسّسات المنتخبة" فيها. وقال إنّ واشنطن تقوم بتصرفات مشابهة في فنزويلا.

بموازاة الملفّات الخلافيّة التي قد لا تجد حلولاً في وقت قريب، كان لافتاً للنظر بعض التحسّن الجزئيّ في جانب من العلاقات مؤخّراً. فقد اتفقت الدولتان على خفض كلفة تأشيرات الدخول بشكل مشترك. وفي أواخر كانون الثاني الماضي، رفعت وزارة الخزانة العقوبات المفروضة على ثلاث شركات روسيّة تابعة لأحد الأثرياء المقرّبين من الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. تمّ ذلك بعد موافقة الملياردير الروسيّ على تخفيض حصصه فيها بينما بقي اسمه على لائحة العقوبات. وكانت عوامل مرتبطة بمنع تأثّر قطاع تصنيع الألومينيوم دافعاً مهمّاً وراء رفع الإدارة الأميركيّة العقوبات عن إحدى هذه الشركات، "روسال"، ثاني أكبر شركة ألومينيوم حول العالم.

عثرة بارزة

في المسائل الكبيرة، تبدو الأمور على حالها بل قد تذهب إلى مزيد من التصعيد. فقد وقّع بوتين يوم الاثنين مرسوماً قضى بتعليق مشاركة روسيا في معاهدة القوى النوويّة المتوسّطة المدى الموقّعة سنة 1987. لكن في حين قد يكون موقف بوتين تصعيديّاً بالنسبة إلى الولايات المتّحدة، تعتبر الأخيرة موسكو منتهكة أصلاً لهذه المعاهدة منذ سنوات. ويبقى ثمة تساؤل عن تأثير هذا القرار على لقاء الجنرالين في فيينّا، بالنسبة إلى سوريا.

لا حواجز تمنع الروس والأميركيّين من الفصل بين الملفّات بما أنّ هذا الفصل قادر على تأمين فرص أكبر لإنجاح التفاوض حول كلّ ملف على حدة وتبيّنت هذه القدرة في محطّات سابقة. بالمقابل، إنّ الحوار الأميركيّ-الروسيّ حول فكّ الاشتباك في سوريا يُعدّ انعكاساً طبيعيّاً للمرحلة الجديدة التي ستشهد مغادرة غالبيّة القوّات الأميركيّة من البلاد وبقاء 400 آخرين موزّعين بين شمال شرق وشرق سوريا. وسبق للجنرالين أن تباحثا هاتفيّاً في الشؤون العسكريّة داخل سوريا أوائل كانون الثاني الماضي حيث أكّدا ضرورة الحفاظ على خط فكّ الاشتباك بينهما.

اليوم، قد يفيد هذا اللقاء الروس لتكوين فكرة عن استراتيجيّة واشنطن العسكريّة في تلك البلاد بعد القضاء على داعش. وكان الغموض الذي لفّ مصير القوّات الأميركيّة في سوريا والناتج عن تناقضات ترامب حول الموضوع عنصراً بارزاً في عرقلة قمّة سوتشي. ومن دون جلاء هذا الالتباس، سيظلّ الروس والإيرانيّون والأتراك يواجهون التعثّرات نفسها بشكل محتمل.

مصدر قلق آخر

اقترح غيراسيموف في كانون الأوّل 2018 أن يشترك الروس مع الأميركيّين في السيطرة على منطقة التنف، من دون أن يحصل على جواب. على الرغم من أهمّيّة موقع قاعدة التنف بالنسبة إلى الروس لجهة وقوعها بالقرب من تقاطع ثلاثيّ للحدود، يمكن أن يكون هنالك تساؤلات روسيّة أخرى بحاجة للإيضاح حول إبقاء واشنطن 400 جنديّ في سوريا.

قبل التوصّل إلى هذا القرار، لم يكن الأوروبّيّون مؤيّدين لإبقاء قوّاتهم في البلاد لو انسحبت الولايات المتّحدة منها فعلاً. لكنّ القرار الأخير للرئيس الأميركيّ دونالد ترامب لاقى ترحيباً من الرئيس الفرنسيّ إيمّانويل ماكرون. أهمّيّة الخطوة الأميركيّة الأخيرة تكمن في أنّها قد تدفع الأوروبّيّين إلى البقاء في سوريا وربّما زيادة عدد جنودهم في شمال شرق البلاد لمحاولة إعادة بعض من التوازن العسكريّ الذي قد يختلّ بانسحاب حوالي 1600 جنديّ أميركيّ. إنّ حضوراً عسكريّاً أوروبياً متزايداً في سوريا سيعني بطبيعة الحال نفوذاً أوروبياً سياسيّاً أكبر، يضاف إلى النفوذ الأميركيّ الذي لا يبدو أنّ واشنطن في وارد التخلّي عنه حاليّاً.

فيينّا ليست وحدها في الصورة

يكرّس اجتماع فيينّا في جزء منه تقبّل روسيا العمليّ لواقع أنّ الأميركيّين باقون في سوريا بغضّ النظر عن حجم قوّاتهم هناك، وربّما سيشكّلون قوّة مضاعفة للجنود الأوروبّيّين بما يعرقل التصوّر الروسيّ للحلّ السياسيّ. ولا شكّ في أنّ القرار الأميركيّ بممارسة الضغوط على دمشق كان واضحاً من خلال حثّ العرب على عدم تعويمها ماليّاً، وهذا ما حصل.

في نهاية المطاف، ثمّة عدد من التطوّرات الإقليميّة والدوليّة التي تتكامل مع بعضها لترسم صورة حول المشهد السوريّ في المدى المنظور. فاجتماع غيراسيموف-دانفورد وجولة وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف في دول الخليج العربيّ يكمّلان بعضهما لجهة كونهما، في أحد الجوانب، محاولة روسيّة لخلق ثغرة في جدار الموقف الأميركيّ من الحلّ السياسيّ في سوريا والذي يجد دعماً واضحاً من الحلفاء الأوروبّيّين والعرب على حدّ سواء.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم