الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لماذا فشلت قمّة فيتنام؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

مشاكل المفاوضات

في ما وصفه ب "الاقتراح الواقعيّ"، قال وزير خارجيّة كوريا الشماليّة إنّ بلاده عرضت إغلاق مجمع "يونغبيون" النوويّ مقابل "رفع جزئيّ للعقوبات"، نافياً أن تكون بلاده قد طالبت برفع "كامل" للعقوبات كما قال ترامب.

يصرّ الأميركيّون على عدم رفع هذه العقوبات قبل تخلّي بيونغ يانغ بشكل كامل عن أسلحتها النوويّة. بينما تقترح كوريا الشماليّة رفعها تدريجيّاً مقابل تخلّيها التدريجيّ أيضاً عن برنامجها النوويّ. لكنّ المشكلة لا تقتصر فقط على آليّة المفاوضات بين الطرفين. لعلّ الهدف الأهمّ الذي كان مرسوماً في فيتنام هو التوصّل إلى تفسير موحّد لعبارة "نزع السلاح النوويّ" التي وردت في البيان الختاميّ لقمّة سنغافورة. وإذا كان واضحاً أنّ قمّة سنغافورة خرجت ببيان ذي سقف أدنى بكثير من المتوقّع لجهة التزام كيم بالتخلّي عن ترسانته النوويّة، فإنّ مجمل المفاوضات بين الطرفين تظهر أنّ هنالك العديد من المصطلحات التي لا تفهمها واشنطن وبيونغ يانغ بالطريقة نفسها. وهذا ما يسمح لكيم بالتمتّع بمساحة واسعة للمناورة.


مصادر سوء الفهم

الغموض صفة أساسيّة في كثير من البيانات والتصريحات الكوريّة الشماليّة. الاختلاف في كلام الطرفين حول "شموليّة" أو "جزئيّة" رفع العقوبات الذي تمّت مناقشته في القمّة الأخيرة مقابل إغلاق "يونغبيون" أحدث مثل على ذلك. ففي نيسان 2018، كان الكوريّون الجنوبيّون ينقلون عن كيم قوله إنّه لو حصل على "وعود بإنهاء الحرب ومعاهدة عدم اعتداء، فلِمَ الحاجة للعيش بصعوبة عبر إبقاء أسلحتنا النوويّة؟" صحيح أنّ هذين المطلبين عبّرا عن سقف تفاوضيّ مرتفع، لكن في الوقت نفسه، أوضح هذا الكلام أنّ الاحتفاظ بالسلاح النوويّ ليس مصلحة استراتيجيّة بحدّ ذاتها لبيونغ يانغ. وهذا ما دفع وسائل إعلاميّة للإشارة إلى أنّ "كيم يبدو أيضاً معترفاً للمرّة الأولى بأنّ ‘نزع السلاح النوويّ‘ يعني في الواقع التخلّي عن أسلحته". لكن مع مرور الوقت، تبيّن أنّ ذلك بعيد المنال، حتى ولو قال كيم في فيتنام إنّه لو لم يكن مستعدّاً للتخلّي عن هذه الأسلحة لما أتى إلى القمّة. كذلك، وعلى عكس الأميركيّين والمراقبين الغربيّين، أصرّت وكالة الأنباء الرسميّة في كوريا الشماليّة على اعتبار القمّة "ناجحة".

بالمقابل، ساهم ترامب نفسه في خلق أجواء تفاؤليّة عبر تصريحات لم تكن دقيقة. ففي 22 نيسان 2018 أيضاً، قال الرئيس الأميركيّ إنّ كوريا الشماليّة وافقت على "نزع السلاح النوويّ". لكنّ ما كانت الأخيرة قد أعلنته قبل يومين على تصريحه أنّها ستعلّق الاختبارات النوويّة والبالستيّة قبل قمّة سنغافورة وإنّه سيتمّ إغلاق وتفكيك منشأة للاختبار النوويّ بعدما علمت البلاد كيف يمكنها صنع أسلحة نوويّة وتحميل الصواريخ البالستيّة رؤوساً حربيّة.


بين الانتقاد والإشادة

على الرغم من عدم تقديم ترامب تنازلات للزعيم الكوريّ الشماليّ، واجه انتقادات من بعض الإعلام الذي ذكّره بأنّه ليس عاقد الصفقات الناجح كما وصف نفسه لأنّه لم يستطع من خلال "جاذبيّة (الجلوس) وجهاً لوجه (مع الخصوم) والتبجّح بعقد الصفقات دفعَ ديكتاتور مجنون بالسلطة إلى التخلّي عن الأسلحة النوويّة". كذلك، واجه ترامب انتقادات لقوله إنّه يصدّق ما أخبره إيّاه كيم من أنّه لا علاقة له مطلقاً بوفاة طالب أميركيّ كان مسجوناً في كوريا الشماليّة وأعيد إلى الولايات المتّحدة في حالة غيبوبة حيث فارق الحياة.

لكنّ مؤيّدين لترامب شدّدوا على أنّ عدم التوصّل إلى اتّفاق هو أفضل من اتّفاق سيّئ في إشارة ضمنيّة إلى الاتّفاق النوويّ مع إيران، بينما قال مراقبون إنّ قمّة ريكيافيك سنة 1987 بين رونالد ريغان وميخائيل غورباتشيف لم تتوصّل إلى اتفاق حول السلاح النوويّ لكنّها هيّئت الأرضيّة لاتفاق مستقبليّ حول ذلك.


واشنطن جرّبت الفرضيّتين

أراد كيم من قمّة سنغافورة أن يحصل على غطاء شرعيّ دوليّ بمجرّد جلوسه مع رئيس القوّة العظمى، فاستطاع كيم المساهمة في إنجاح تلك القمّة بالشكل عبر توقيع بيان ختاميّ بصرف النظر عن أنّه حمل التباسات كثيرة. اليوم، وقد حصل كيم على هذا الغطاء، يريد البدء بانتزاع تنازلات أميركيّة تدريجيّة في مسألة العقوبات، بوتيرة أسرع من تفكيك برنامجه النوويّ، أو بشكل أدقّ ربّما، أسرع من إظهاره مؤشّرات إلى ذلك. وبما أنّ الولايات المتّحدة لم تقدّم هذا التنازل، يكون كيم قد فشل في إحدى المحاولات التكتيكيّة من دون أن يخسر صورة الديبلوماسيّ والحدّ الأدنى من الغطاء الشرعيّ اللذين كسبهما في حزيران الماضي.

باختلاف التجارب الأميركيّة في التفاوض معها، يبدو أنّ كوريا الشماليّة هي كوريا الشماليّة. لفهم ذلك، يكفي سماع ما قاله الديبلوماسيّ السابق في عهد بوش الابن فيكتور تشا قبل القمّة: "حين كنت أجري المفاوضات ... في مجموعات العمّال المتصلّبة مثلنا، كنا نضرب رؤوسنا بالجدار، محاولين دفعهم إلى، حسناً، السماح لنا بدخول بناء يونغبيون هذا. وكان النقّاد يقولون: ‘تفعلون ذلك بشكل خاطئ تماماً. ... عليكم الاجتماع على مستوى القيادات‘. هذا ما نقوم به حاليّاً. نحن نجرّب هذه الفرضيّة حاليّاً. لكن إلى الآن، يبدو أنّ النتيجة هي الشيء نفسه".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم