الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حكومات في حكومة

د. ميشال الشمّاعي
حكومات في حكومة
حكومات في حكومة
A+ A-

انتظر اللبنانيون تسعة أشهر حتّى ولدت لهم حكومة من المفترض أن تهتمّ بالشأن العام وترعى شؤونهم وتستمع إلى شجونهم. لكن المفارقة الواضحة أنّ هذه الحكومة قد جمعت المتناقضات تحت شعار " إلى العمل". فهل هذه المولودة الجديدة قابلة للحياة؟ أم أنّها ولدت ميتةً؟

بعد انتهاء عمليّة نيل الثّقة الفولكلوريّة التي نالتها هذه الحكومة في مجلس النواب، تبقّى لها أن تأخذ الثقة الحقيقيّة من النّاس. للحقّ وللتّاريخ هي ليست حكومة الرّئيس عون الأولى، إنّها الثّانية بعد الأولى العسكريّة التي كانت السابعة والخمسين بعد الاستقلال، وقد شكّلها عون بتاريخ 22 أيلول من العام 1988 بالدّقائق الأخيرة من عهد الرّئيس أمين الجميّل، حيث ضمّت ضبّاطًا ستّة، أعضاء المجلس العسكري آنذاك.

إذاً هذه هي حكومة عون الثّانية، وحكومة هذا العهد الأولى. لقد كان القائد عون مالك مفاتيح الحكومة الأولى بأسرها. وذلك في ظلّ نظام منحه الصلاحيّات الكاملة، لكن بعد تعديلات الطّائف صار رئيس الجمهوريّة حَكَمًا يملك ولا يحكم. وحاول الرّؤساء الذين تعاقبوا على الحكم بعد الطّائف أن يضطلعوا بهذا الدّور فكانوا يصطدمون بالسوري الذي نصّب نفسه وصيًّا، وصار هو الحكم والحاكم وقتذاك.

أمّا اليوم فبعد خروج المحتلّ السّوري في 26 نيسان من العام 2005 على أثر اغتيال والد رئيس الحكومة الحالي، الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري، في 14 شباط حيث توحّد اللّبنانيّون في 14 آذار وأطلقوا صرخة الرّفض للاحتلال السّوري، وكان لهم ما كان، تغيّرت معادلة الحكم. من البديهي أنّ المقارنة لا تجوز بين الحالتين الآنفتي الذّكر، لكن مراجعة التّاريخ واجبة لمعرفة كينونة الحاضر بهدف بناء المستقبل. على ما يبدو أنّ المواجهة اليوم ستكون بين فئتين في لبنان:

- الأولى أخذت على عاتقها العمل الاقتصادي وتخلّت عن العمل السياسي.

- الثّانية مهتمّة بالشأن الاقتصادي لكنّها تولي اهتمامًا أكبر للشأن السياسي.

وهاتان الفئتان تتألّفان من مجموعات متناقضة اجتمعت لأنّها اتّفقت على مبدأ تعاطيها السياسة. لكن المفارقة هنا أنّ الرّئيس لن يستطيع لعب دور الحكم لأنّ المايسترو الأساسي للعبة السياسيّة هو خليفة المحتلّ السوري، أي "حزب الله" اللّبناني. وذلك على خلفيّة البدء بعودته إلى السّاحة اللّبنانيّة. والحزب المتخم بفائض قوّته العسكريّة قد تحكّم بمفاتيح تكوين السّلطة، لكن القاسم المشترك الوحيد هنا أنّ من كان يتصدّى للمحتلّ السّوري ما زال هو هو. ولن يكون الاقتصاد على حساب الارتهان والاستسلام السياسي لمن يريد أن يأخذ لبنان حيث مشروعه.

لذلك سيسعى كلّ فريق لأن يكون الحكومة في الحكومة لينفّذ مشاريعه التي قد تتقاطع حتّى مع نقيضه السياسي. وسيكون دور دولة الرّئيس إدارة هذه التناقضات التي نأمل بألا تجهض جهود دولته. أمّا فخامة الرّئيس بفريقه وحلفائه في الحكومة، فسيسعى لإنجاح عهده من خلال تنفيذ مشاريعه كلّها. ويبقى وسط هذه المشهديّة أنّ المعارضة التي من المفترض أن تكون مراقِبة حذرة من خارج الحكومة لتصوّب عملها هي غائبة بالمطلق لأنّ الكلّ موجود فيها.

من هنا، وعلى ما يبدو أنّ هذه الحكومة ستشهد معارضات داخليّة بحسب المشاريع، وهذا بدوره ما قد يعيق عملها. وهذا ما دفع ببعضهم لإعلانها ميتة لحظة ولادتها. لذلك، نعوّل على حكمة الفئتين اللتين أشرنا إليهما. فمن يعمل في الاقتصاد يجب ألا يغيّب السياسة والعكس صحيح. ماذا وإلا... سنصبح بلدًا يترقّب لحظات الانسجام والخصام. فهل من يحتمل بعد مزاجيّة الحكم؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم